نهضة الإمام الحسين ثورة متكاملة الأهداف، سعت لترسيخ القيم السماوية والمبادئ الإنسانية التي جاء بها جدّه خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وآله، وجاءت عاشوراء لإعادة إحيائها بعد أن طمس آثارها أئمة الظلم وحكّام الجور.
الإصلاح، الكرامة، الحرية، رفض الظلم وقول الحق والتضحية في سبيلهما، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، العدالة، كل تلك المبادئ تحمّل والتزم الإمام وأهل بيته مسؤولية المطالبة بها والحفاظ عليها وكانت من أبرز أسباب ثورة عاشوراء على يزيد، وكان ثمن وصولها إلينا هو أجساد ورؤوس طاهرة منقوعة بالدم.
ثقافة المسؤولية تعني أداء الوظيفة بالوجه الصحيح والقيام بالواجب والدور الخاص أو المنوط بكل فرد والإلتزام بكل الأسس التي تحيط بذلك العمل وأخيراً تحمّل النتائج المترتبة من وراء مايقوم به أو يختاره، وتكون المسؤولية أمام الله والنفس والآخرين.
قيمة تحمل المسؤولية تجاه المجتمع تجلّت بعدّة صور في يوم الطف، جسّدتها كل الشخصيات المناصرة لسبط الرسول في تلك الواقعة الأليمة، حققها الرجال والنساء وحتى الأطفال المشاركون والممهدون لتلك النهضة بإيمان ووعي وإدراك، ابتدأت بدور سفير الحسين مسلم ابن عقيل وأكملها سيد الشهداء وأبنائه وإخوته وأنصاره وحتى طفله الرضيع الذي لعب دوراً وقدّم رسالة عن بشاعة وقسوة جيش يزيد.
وقد يعترض البعض بدور الطفل في هذا المفهوم، لكن غرس القيم يبدأ منذ الصغر وقد رأى أطفال الطف قدواتهم من آباء وأمهات وأخوة وبلاشك لذلك دور كبير في صياغة شخصياتهم المستقبلية ويؤثر في مدى تحملهم لمسؤولية ماشهدوه.
وبالطبع، شاركت المرأة في تطبيق هذه الثقافة أيما مشاركة وطبقتها في كافة المراحل، طوعة التي نصرت مسلم حين خذله أهل الكوفة، أمهات وزوجات الأنصار الذين شجعوا رجالهم على الشهادة، والعنصر الأهم وهو موكب السبايا الذي كان جلّه من النساء بقيادة عقيلة الطالبيين زينب وقد أكملت رسالة عاشوراء وأوصلت مظلومية الحسين إلى الآخرين. فلم يكن دور السيدة في المعركة أختاً وأماً للشهداء فقط، بل كانت امرأة رسالية حملت إلى جانب أحزانها ومصائبها قيم ومبادئ ورسائل كربلاء إلى العالم أجمع.
"لقد كانت الآية الشريفة: "وقفوهم إنهم مسؤولون" نصب أعينهم، وكذلك هي أمامنا جميعا في كل مفصل من حياتنا، وفي قضية عاشوراء تتعاظم قيمتها لتعاظم دورها وكبر وقعها وأهميتها، كل من ينتمي لمدرسة عاشوراء عليه أن يدرك ويتحمل هذه المسؤولية، هناك دور وواجب لكل واحد منّا، أدّاه الإمام وعلينا أن نؤديه إن كنا ندّعي حبّه.
ولابد من معرفة أهم مفاهيم المسؤولية، فلنتأمل موقف هذين الشخصين في التعامل مع قضية نصرة الإمام والفارق الكبير بينهما..
الضحاك المشرقي
لبّى نداء الحسين ونصره طيلة فترة المعركة، سمع خطبة الحسين مع الأنصار، جالس الإمام وأهل بيته، قاتل بكفاءة حتى دعا له الإمام وهو يبارز الاعداء، "لاتشلل، لا يقطع الله يدك، جزاك الله خيراً عن أهل بيت نبيك"، لكنه وياللعجب، عند ظهيرة عاشوراء، وعندما لم يبق مع الحسين أحد، يأتي للإمام ويستأذنه للإنصراف، وتقول الرواية أن الضحاك وافق بداية على نصرة الإمام والقتال معه لكن بشرط وهو أن يقبل الإمام بتركه عندما يبقى وحيداً!.
وفعلاً، انصرف وترك الحسين وحده بلا ناصر ولامعين وقد اقترح على الإمام أن يترك عنده فرسه وسلاحه ورفض الإمام ذلك.
الهفهاف البصري
عكس قصة الضحاك، فقد وصل الهفهاف إلى أرض كربلاء متأخراً، لبّى دعوة الإمام وجاء من البصرة، لكن عند وصوله كان غبار المعركة قد انجلى والإمام وأصحابه قتلوا جميعاً، كان الهفهاف يستطيع الرجوع القهقري لمدينته، أدى واجبه وخانته الأقدار، وقد وجد نفسه أمام خيارين: تقبّل الأمر الواقع، أو تحمّل مسؤولية مجيئه ولو متأخراً، البكاء على الأطلال، أو المشاركة في معركة ظاهريا انتهت..
لقد نصر الإمام، وقرر أن يفي بوعده، جاء ل عمر بن سعد واستلّ سيفه، ارتجز قائلاً:
يا أيها الجند المجنّد.. أنا الهفهاف بن المهند.. أحمي عيالات محمد. وقاتلهم حتى نال شرف الشهادة، وهو آخر شهيد في كربلاء.
هناك عدة رسائل وعبر من كلا القصتين، أهمها مفهوم الإلتزام، وقد يقول قائل أن الإمام أذن للضحاك بالانصراف فقد اشترط الأخير وقد قبل الإمام، لكنّ المسؤولية لا تتحدد فقط تجاه الإمام، أين مسؤوليته أمام الله ونفسه، ثمّ ألم يسمع صراخ الأطفال، وأنين زينب؟ أين هي مسؤوليته أمام نساء أهل بيت النبوة ومهبط الوحي؟
أي قلب بل أي ضمير سمح له بترك بضعة الرسول، وبماذا سيبرر انسحابه يوم المحشر؟
أي خسارة فادحة ارتكبها حتى صغرت الشهادة أمام حياته؟
أمّا المهلهل ومع أنه لم يرَ أهوال تلك الساعات، لم يسمع ناعية الحسين، وقد يستغرب البعض موقفه، ما الذي استفاد من قتاله بعد استشهاد الإمام، لقد عرج شهيداً واختلطت دمائه بدماء سيد الشهداء، وهذه لوحدها فوز وكرامة وتوفيق. وكذلك التزم بوعده وكلمته ونصر الحسين حتى وإن كان بعد استشهاده.
كيف نرسخ مسؤوليتنا تجاه عاشوراء؟
لا يوجد هناك وصفة محددة وقائمة مهام معينة لذلك، وذلك بسبب اختلاف الأدوار في المجتمع بشكل عام، فكل إنسان له وظيفة، تخصص، واجب يختلف به عن أقرانه، وعلى كل شخص أن يعرف دوره ثمّ يطبّق تلك المسؤولية بإخلاص وإتقان.
"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". حديث نبوي شريف يكبّر دائرة المهام والأدوار والأشخاص.
الأب والأم مسؤولياتهم كثيرة لكن أكبرها المسؤولية تجاه أبناءهم، فالأقربون أولى بالمعروف. المعلّم تجاه طلابه. المدير، الخطيب، الإعلامي، وغيرهم كلهم عليهم الإلتزام وتطبيق ونشر رسائل يوم الطف وتلك مسؤولية كبيرة تبقى على أعناقهم..
اضافةتعليق
التعليقات