فتاة هادئة، هيأتها كالعود الفرنسي، فتاة برسالة، مناصرة للجميع لا تستثني أحدًا أبداً ترغب بالسلام أينما حطت وإن لم تسعها الأماكن، تختزل نفسها عند بركةٍ ما تمارس طقوس الحرمان والألم وتتوضأ بدمعها لتُصلي في محرابها صلاة الرحمة.
الإهمال يقتل الروح، وما قتل سمراء أنها وحيدة وسط زخم عائلي لم يُلاحظ مرضها، فالجميع مشغولٌ بنفسه. لم يدركوا أن التهاون مع المرض هو مرض آخر لم يؤخذ بالحسبان، وشكاية سمراء من وجع رأسها ونحول جسدها كان بالنسبة لعائلتها دلال لا أكثر!.
كانت تؤمن بفكرتها أن الدور المقدس والأهم الذي يجب القيام به عائلياً هو التواصل المستمر بين أفراد العائلة ومشاركتهم الاهتمام والمحبة والنصح والهمّ وما إلى ذلك.. لأن العائلة هي نقطة التمركز والمحور الأساسي الذي يأخذ الفرد على محمل الجد وكانت تتحرك وفق ذلك في علاقتها العائلية.
سمراء لم تكن كثيرة الشكوى من الوعكات الصحية التي تمر بها إلا حينما كان الوجع يأكل رأسها ولعدم اكتراث من حولها فضلت الصمت وتناول مُسكن الآلام، لا تعلم أن صحتها ستزداد سوءاً بأخذ أدوية دون استشارة طبيب مختص.
كانت من مُحبين القراءة والرسم، كل الكتب الموجودة داخل رفوف مكتبتها مرسوم عليها رسمة رأس مصحوبًا بفقاعات وضباب وانتفاخات مع عبارة قصيرة "حتى لو سحقك الألم لا تستسلم" مكتوبة بجانب كل رسمة.
وهي أيضا من الطالبات المتفوقات بدراستهن حيث إنها كانت تستعد للامتحانات النصفية رغم مرضها الذي لا تعلم عنه شيئاً، تستقبل أيام مراجعة المواد بشغف، قسّمت الأيام حسب حاجة كل مادة للفهم والحفظ، ثم باشرت بالدراسة وهي تقاوم مضاعفات المرض بحبوب مسكنة الألم، ولكن الأمر لم يعد بهذه السهولة للجسد، فبدأ بالظهور تدريجياً حتى أصبحت تتلاشى وتنطفىء كشمعة..
سألتها والدتها عما إذا كانت متعبة أو مريضة فشحوب وجهها قد ساد، ولكن سمراء لم تتمكن من الإجابة عن سؤال والدتها بسبب فقدان وعيها المفاجئ..
هنا بدأت شكوك العائلة تظهر بأن هنالك أمراً ما أصاب سمراء؛ فبدأوا بتدابير نقلها إلى مركز صحي، وبعد إجراء الفحوصات اللازمة لمعرفة وتقييم الوضع الصحي تبين أنها مصابة بورم دماغي خطير يؤثر على الرؤية وهو أيضًا من الأورام سريعة النمو والعمليات الجراحية التي تجري لمثل هذا المرض تُصيب المريض بالعمى..
سمراء كحيلة العينين فقدت نظرها بعد العملية التي أُجريت لها.
ومع ذلك بقيت تحاول أن لا تفقد إرادتها بفقد بصرها، فقررت الاستمرار في نضالها للحصول على النجاح العلمي والثقافي طالما رغبت بهما؛ ولكن الفرق هذه المرة أنَّ عائلتها كانت مُلازمة لها من كل الجهات حتى أصبح لدى أفراد العائلة قاعدة على رأس كل قواعدهم واهتماماتهم، ألا وهي: "العائلة أولا".
وعلى الهامش قالت سمراء: أن يكون للفرد عائلة أمر جميل، ولكن العيش سوية كعائلة أمرٌ عظيم ومذهل.
اضافةتعليق
التعليقات