لشهر رمضان الكريم نكهة خاصة في نفوس المسلمين في مختلف البلدان العربية والاسلامية.
وفي العراق خاصة ..لرمضان نكهات عدة وموروثات وتقاليد تعاقبت مدى السنين وتناقلت بين الأجيال منها لعبة المحيبس والصواني الممتلئة بالازلابية والفطور الجماعي و المسحراتي وقدومه في ليالي رمضان فينقلب الليل الساكن الى حركة ونرى البيوت قد اضأت بنفحات ايمانية منتظرة قدوم المسحراتي بكل لهفة وترتفع اصوات الجوامع بأدعية السحر وتلاوة القران فتكون ليالي رمضان جميلة مضيئة، وكان (لموقع بشرى الحياة) وبمناسبة قدوم شهر الخير والطاعات ان تعد هذا التقرير عن المسحراتي ..وارتباطه بليالي رمضان.
أستعدادات المسحراتي
حسين كريم رجل في نهاية الأربعينيات يعمل مسحراتي في الشهر الفضيل ..تحدث حسين عن مهنة المسحراتي قائلا :-
عملت مسحراتي منذ كان عمري سبع سنين حيث كنت اخرج ليلا مع أبي واخواتي الكبار ونقرع الطبول وننادي( سحور .سحور)ونقرع الابواب لينطمئن من ايقاظ الجميع حتى لا يفوتهم وجبة السحور وكانت مهنة المسحراتي جميلة نقدم من خلالها خدمة لابناء محلتنا وكان فيها التزاما حيث يتناوبون اخوتي في العمل فقبل أربعين عاما لم تكن هناك العديد من الاجهزة والمنبهات كما هو الحال في وقتنا الحالي وكنا نخرج في ليالي الشتاء بالرغم من شدة البرودة غير مبالين ولم نترك مهنة المسحراتي فاليوم ما زلت اعمل مسحراتي انا وابنائي وابدأ بالاستعداد وتحضير الطبول وادواتي الاخرى في اواخر ايام شهر شعبان لان ابناء محلتي يكونون بانتظاري ..وانا ايضا مشتاق لطبلي وللطرقات التي اجوبها ليلا ..وتكون مكأفاتي من الله اولا ومحبة الناس والعديد من العيدية وقطع الحلوى في اول ايام العيد الفطر المبارك وتقبل الله منا ومنكم الطاعات
آراء
حدثنا( سيد عباس هاشم الشريفي) عن المسحراتي قائلا
تعودت البيوتات العراقية في شهر رمضان في الاستيقاظ على صوت المسحراتي الذي يجوب الشوارع ليلا ويصدر اصواتا قوية سواء بالطبل الذي يضربه ضربات متناغمه او بالعبارات التي يريدها ليوقظ الناس لتناول الناس وجبة السحور قبيل آذان الفجر بساعة موروث توارثه الابناء من الاباء عبر السنين قد تكون انحسرت بالسنوات السابقة
بسبب الظروف الامنية لكنها لم تمت وعادت من جديد بنفس نكهة الماضي.
شيماء عيسى
احب صور المسحراتي الذي يأتي الينا و يدق بابنا فأخرج من المنزل لاراه وهو يدق بطبله الكبير ينادي (سحور ..سحور..اكعد يا نايم)
قبل وقت الأذان بساعة واعتمد عليه في الاستيقاظ بوقت السحور .ولم اغير عادتي بالاعتماد على المنبة او الهاتف
احب المسحراتي جدا وعندما كبرنا مارس اخواتي مهنة المسحراتي فقاموا واصدقائهم من ابناء محلتنا بالتناوب على ايقاظ الناس لوقت السحور حاملين طبلا كبيرا ويجوبون شوارع محلتنا ولا تحلو ليالي رمضان الا بوجود المسحراتي.
ام مؤمل
ان للاجواء الرمضانية نكهتها الخاصة التي توغل في القلب ولا تبرحه ..الا ان ما يزعجني هو قارع الطبل وقت السحر لربما يكون هناك تناقض في قولي فانا لا اكرهه الا اني امتعض من قدومه باكرا ليقرع الطلب بغية ايقاظ الصائم لتناول السحور ..فيكون الوقت باكرا مما يجعلني استيقظ ولا يمكنني ان اخلد للنوم مرة اخرى ..ولا استطيع تناول السحور باكرا لهذا اكون مستاءة ..الا ان والدتي تحبه كثيرا وهي تعيش مع صوت قرعات طبله ذكرياتها الجميلة مع ايام رمضان حينما كانت تقطن في بيتهم الصغير في( باب السلالمه) اذا كانت تخرج مع اخوتها لتتبعه وتصفق خلفه هي وكل اطفال المحلة الى ان يخرج من زقاقهم الضيق حتى يعودوا الى بيوتهم ..وايضا تنتظره في صباح يوم العيد لتتبادل معه تهاني العيد وتعطيه (عيديه )وقطع من (الكليجة) وهي تزاول هذه الطقوس منذ الصغر وليومنا هذا.
كان للسيد باسم حمود الاعرجي العديد من الذكريات الجميلة في الليالي الرمضانية حين قام بسردها مبتهجا محدثا موقع (بشرى الحياة) عن ذكرياته قائلا: -
لعل لشهر رمضان المبارك نكهته الخاصة التي ميزته عن بقية الأشهر الإسلامية الأخرى ليس كونه شهر الصيام وتلاوة القرآن والدعاء فحسب بل لما فيه من خصوصية لدى مجتمعنا العراقي بصورة خاصة حيث موائد الإفطار العامرة بما لذَّ وطاب وقد أجتمع عليها جميع أفراد العائلة بل وأحيانا يجتمع الأقارب والأصدقاء والأحبة فتتجسد فيها كل قيم الود والتراحم وصلة الرحم والتزاور وتبادل أطباق الطعام والحلوى مع جيران المحلة.
أما ذكريات أوقات السحر وتناول طعام السحور فإن أجمل ما فيها هو أنتظار المسحراتي أو ما نسميه في مجتمعنا العراقي (أبو طبيلة) فيوقظ الصائمين بصوته الجهوري وعلى إيقاع دقات طبله في أنشودة سمفونية تنساب أصداء نغماتها لداخل القلوب وتحفر ذكرياتها على جدران الذاكرة وخصوصا في ذاكرة الأطفال وهم يترقبون مجيء (أبو طبيلة) من شرفات وأسطح منازلهم ليتسابقوا نحوه حاملين معهم الحلوى والطعام إليه ويرافقوه بأطبالهم الصغيرة وهم يقلدونه في قرع الطبل وفي ندائه الملائكي (أكعد يالصايم وحد ربك الدايم) أو (أكعد يالصايم خلي المفطر نايم) وأحيانا يكتفي المسحراتي بقرع ثلاث دقات على طبله مرددا (سحور، سحور، سحور) فتحل البهجة والبركة في جميع منازل المحلة والحي وتنشغل ربات البيوت بإعداد طعام السحور ويسمع صوت دعاء السحر من مكبرات منارات المساجد والحسينيات في أجمل أوبرا تعزفها الملائكة وتشدو بها الحور العين ويردد صداها الولدان المخلدين حتى تسدل أستار أول ليلة من ليالي رمضان بعد أن ينادى (أشرب الماء وعجل) ثم بعدها بدقائق معدوة (يعلن الإمساك) والإستعداد لأداء صلاة الفجر وكأننا في هذه الأجواء نسبح محلقين في عالم الملكوت والملأ الأعلى كيف لا ونحن في ضيافة الله على مدى شهره الفضيل.
اضافةتعليق
التعليقات