ها قد أصبحَ الصباح كما كل يوم وأنا أرى الظلام ينجلي للمرة 7300 يومًا بالتمام، وقد تمر السنون دونما يشعر الإنسان أو ينتبه ماذا بعد تجاوز عشرين عامًا من عمره؟
وقد يُحسب لهُ منذُ وعيه التام عشرُ سنين فماذا فعلَ خلال هذه السنوات التي يكون فيها بقمةِ نشاطهِ وطاقتهِ وذروة عمره، هذا الوقت الذي يمنحهُ الباري عزوجل للإنسان كي يُشذب نفسه ويُحصنها بشكلٍ تام، هي فرصة ثمينة له لكي يحاول أن ينتقل إنتقالة كاملة، هذا العمر بالذات هو شيء إستثناءي وخاص لمن يرغب في تحصين نفسه فبعد ذلك يدخل الأغلب في مرحلة أوسع وأكبر مسؤولية، وتكثر إنشغالات الإنسان من زواج وتربية ومشاريع وتحقيق بعض الأهداف المرسومة والخ...
أينَ هو وأين العمل على النفس وأين الوقت الكافي؟
بعدها يُدرك كم كان يتمتع بنعمة لم يكن يقدرها، نعمة كان يفترض إستغلالها بكل لحظة تمر، ودقيقة تمضي فكل شيء يمكن إستعادته أو تعويضه إلا العمر إذا مضى.
وقد أثبت بعض علماء الدين أن المَلكات السيئة إذا إستطاع الفرد السيطرة عليها قبل تعدي عمر العشرين يكون التخلص منها بشكل أسرع وأسهل بكثير من الذين يتجاوزون هذا العمر بعد أن تتطبع بهم المَلكات ويندرج مع الرذائل والمحرمات إذا كان يفعلها. يقول أحد مشايخنا أطال الله عمره (أن العزم هو جوهر الإنسانية)).
ومعيار ميزة الإنسان وإنَ إختلاف درجات الإنسان بإختلاف درجات عزمه والعزم الذي يتناسب، وهذا المقام هو أن يوطن الإنسان نفسه على ترك المعاصي وأداء الواجبات ويتخذ قرارًا بذلك ويتدارك ما فاته في أيام حياته، وبالتالي يسعى على أن يجعل من ظاهرهِ إنسانًا عاقلًا وشرعيًا بحيث يحكم الشرع والعقل حسب الظاهر بأن هذا الشخص إنسان والإنسان الشرعي هو الذي ينظم سلوكه وفق ما يتطلبه الشرع.
واعلم أن طي أي طريق في المعارف الإلهية لا يمكن إلا بالبدء بظاهر الشريعة وما لم يتأدب الإنسان بآداب الشريعة الحقة لا يحصل له شيء من حقيقة الأخلاق الحسنة كما لا يمكن أن يتجلى في قلبه نور المعرفة وتتكشف له العلوم الباطنية وأسرار الشريعة وبعد انكشاف الحقيقة وظهور أنوار المعارف في قلبه لا بد من الإستمرار بالآداب الشرعية الظاهرية أيضًا ومن هنا نعرف بطلان دعوى من يقول (أن الوصول إلى العلم الباطن يكون بترك العلم الظاهر) أو (لا حاجة إلى الآداب الظاهرية بعد وصوله إلى العلم الباطن) وإن هذهِ الدعوى ترجع إلى جهل من يقول بها وجهله بمقامات العبادة ودرجات الإنسانية.
وإذا دققنا قليلًا فسنلاحظ إن عمر العشرين هو منتصف عمر الإنسان تقريبًا. إن الشاب إذا هذب نفسه في شبابه فإن ملكاته تُمحى بالتدريج وبعدها تستطيع روحهُ أن تتكامل سنة بعد أخرى وتكون أفضل.
أما لو كان لا مبالياً في شبابه وامتدت روحهُ وشهواتهِ إلى الحرام أصبح محباً لشيطانِ نفسه، طائعًا لها. فإن هذه الملكات تترعرع بداخله فتقوى وتشتد وعند بلوغهِ سنوات متقدمة يكون من الصعب إصلاحها..
إن الذنوب إن تُركت بلا نهضة لأجل التصحيح في بداية العمر ستأكل الروح، ستترسخ في الأخلاق والنوايا وتمتزج بالشخصية، وسيصعب حينها التخلي عنها.
إن الطبيعة البشرية بالذات تسعى لنيل المطالب الدنيوية أكثر من السعي وراء المطالب الأُخروية، لابأس بتأمين المال وبعض الأمور الأُخرى بل من الضروري السعي وراءها وتحقيق بعض الأهداف التي خُلق الأنسان لأجلها ولأجل ترك أثر له ولكن لا يكن جل إهتمامنا بهذا الشأن فالإنسان بحاجة إلى أن يروي روحه كما يروي جسده، والجانبين مهمين ولكن أنا أتحدد بحديثي عن الجانب الروحي لأن هذهِ المرحلة وهذا العمر من أفضل الفرص وأفضل الأوقات لتحقيقها أما باقي الأهداف فوقتها متاح. لذا يجب إستغلال العشر سنين تلك قبل تجاوز العشرين.
اليوم بفضل من الله وأهل بيته (عليهم السلام) أتممتُ العشرين من العمر، فله الحمد وله الشكر على نعمته وفيض فضله والحمد لله الذي خص العارفين بما عرفوا وسلب عقولهم بنور وجهه والحمد لله على حمده..
اضافةتعليق
التعليقات