مع قرب شهر محرم الحرام وتهيئة المجالس الحسينية وفي جمع من المؤمنات من كافة دول العالم عقدت ندوة ثقافية الكترونية تحت عنوان: (دور الأخلاق الحسينيّة في تسويق النموذج) باستضافة سماحة الشيخ ناصر الأسدي المشرف العام لحوزة كربلاء النسوية وباحث ومؤلف، وكانت الندوة في يوم الثلاثاء المصادف 28 ذي الحجة والموافق 18/ 8/ 2020 م، الساعة الثامنة والنصف مساءً في توقيت مدينة كربلاء.
ابتدأ سماحة الشيخ ناصر الأسدي حديثه قائلاً: القضية الحسينية قضية كبرى ولعلها من أهم وأعظم القضايا الانسانية لأنها أحدثت ضجة كبيرة في الأمة الاسلامية وبقيت آثارها إلى هذا اليوم وأثرت على الأمم الأخرى وكل أصحاب المذاهب والأديان على الاطلاق، هذه النهضة المباركة قامت على أسس استراتيجية هامة.
ضمن هذه الأسس الأخلاقية، أخلاقية المنتمين إلى النهضة الحسينية وكوادرها النموذجية، ويمكن دراسة هذا الموضوع بتناول رسالة الامام الحسين أو وصيته لقائده الشهيد البطل الفدائي في سبيل الدين وفي سبيل الامام الحسين مسلم ابن عقيل حيث كتب له الامام الحسين وصية حين أنتدبه في لقاء الكوفة مع الجماهير فكان كلام الامام (عليه السلام) مع مسلم وكيف يقود الجماهير.
فأوصى الامام (عليه السلام) بثلاث وصايا وكل واحدة من هذه الوصايا هي قاعدة أساسية في أي نهضة اجتماعية واسعة تهدف لتغيير المجتمع، هذه الوصايا هي أسس لحركات الاصلاح الاسلامية الواقعية التي تريد أن تقود المجتمع باتجاه كتاب الله وسنته والمبادئ السامية.
الوصية الأولى: التقوى
وهي درع يحمي الانسان من الانزلاق أو الانحراف أو التطرف الأخلاقي أو السلوكي، فهي تحفظ الانسان في الاطار الصحيح من التصرفات والكلام والقرارات الصحيحة وقد أمرنا في كتاب الله عز وجل في بذل الجهد في التقوى قدر المستطاع (فاتقوا الله ما استطعتم) فهذه التقوى موجودة وهناك نماذج في التاريخ نعرف أهمية دورها في حياة الانسان وفي حركاته وسكناته كما ورد في ترجمة العلماء منهم الشيخ أحمد المقدس الأردبيلي كان نموذج من الأخلاق والتقوى والصفات السامية حتى عرف بالمقدس من غرب إيران من اذربيجان، جاء إلى العراق بعد زيارة المراقد المقدسة وهو في الكاظمية، وأثناء جلوسه جاء رجل عنده، وطلب منه حاجة طبيعية وكانت أمانة يرغب في ارسالها لأخيه الذي كان يسكن في ايران وهو عاجز فقال هل عندكم مانع من ارسالها معكم؟.
أجاب الشيخ أحمد: لا في خدمتكم.
بعد مرور الوقت جاء الرجل صاحب الأمانة ومعه صرة كبيرة من دراهم الفضة، عملة ذلك الوقت، ما يقارب المئة درهم. وفي هذه الأثناء قال الرجل للشيخ: هذه الأمانة تصل إلى أخي الساكن في مدينتكم.
وبعد ما أنهى الشيخ حاجته وقرر السفر نحو ايران ومعه الأمانة، وصل إلى وطنه فطلب الأخ حتى يسلمه الأمانة فسلمه الشيخ وأنهى حسابه مع صاحب الدابة الذي نقله، فكان قد استأجر الدابة بسبعة عشر درهم وعندما حضر صاحب الدابة طلب منه أن يضيف أجرة على أجرته الأولى ففي العودة حمل الدابة أكثر ولزيادة حمل الدابة قرر أن يتفاوض مع صاحبها، هنا يظهر دقة الشيخ في الحساب والتقوى، هكذا تقوى تجعل الانسان متشددا في حقوق الآخرين ومنضبطا في أمور دينه، فمسلم ابن عقيل كان مقبلا على قيادة كبرى ومنصب القيادة في العراق وأمور لابد أن تكون التقوى نصب عينه، فوصية الامام كانت محور أساسي لحركة مسلم ابن عقيل، فيتحرك ضمن هذه الدائرة حتى لا يرتكب شبهة العصيان وليس العصيان بذاته، فهذا الانسان المتقي يكون محبوبا في الدنيا وفي الآخرة ويجازيه الله في الآخرة أحسن الجزاء، التقوى تنتج شخصية نموذجية تتصدر للقيادة وتنجح.
الوصية الثانية: وكتمان أمره
كتمان الأمر وإخفاء حركاته لابد أن تكون تحت ستار، خافيا عن العدو حتى لا يتمكن من القضاء على الحركة، فيكتم أمره، فهناك جواسيس متمرسين في البحث وكشف الأمور، وكان معقلا واحدا من أفراد ذلك الجهاز، فأعطاه ثلاثة آلاف درهم، وقال له: اطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه، فإذا ظفرت بواحد منهم، أو جماعة، فأعطهم المبلغ، وتلطف معهم حتى تتعرف على محل مسلم.
وفعل معقل ما أمره، حتى تسلل إلى دار هاني، حيث اتخذ منه مسلم، منطلقا لاتصالاته بأركان حركته، ولما عرف ابن زياد ذلك، ورأى مسلم بن عقيل - سلام الله عليه - أن ابن زياد يضيق عليه الخناق، وأن عليه أن يبادر بالقيام قبل أن يؤخذ إليه أسيرا، على يد جلاوزته وجواسيسه، خصوصا وقد فقد أبرز أعوانه حتى قتل سلام الله عليه شهيدا.
فانكشفت قاعدة الكتمان عند مسلم وقتل على أثر هذه الحادثة، وهذه قاعدة أساسية في الحركة لابد من كتم الأمر، فوصية الامام الحسين (عليه السلام) كانت استراتيجية مهمة جدا وعلى الانسان أيضا أن يكتم أموره وأن يكون مكشوفا وتحت الأنظار والامام علي (عليه السلام) يوصي المقربين من الشيعة "كونوا كالنحل في الطير" فالنحل يحمل العسل والطيور لا تعرف ما تحمله النحلة، لو عرفت الطيور ما تحمله النحلة من العسل لافترست النحلة وأنهت حياتها، وحديث آخر استر "ذهبك وذهابك ومذهبك" وهذه قاعدة أخلاقية أخرى لكتم السر وعدم كشف السر في البيت أو العمل وأن يكون متحفظا لسره وسر غيره ويكون في طي الكتمان.
الوصية الثالثة: المداراة
ورد في الحديث عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما نزل عليّ جبرئيل مرة إلا وأمرني بمداراة الرجال، المداراة قاعدة أساسية لنجاح الانسان في حركته فعلى الانسان مداراة الكبير والصغير، الرجل والمرأة العامل فالتعامل بسعة صدر وأخلاق عالية مع تحمل الضغوطات من الكوادر والعاملين في المؤسسة فيلزم على القائد أن يكون مداريا يتحمل الكلام والتصرفات فيكون مداريا لوضعية من حوله، فمسلم ابن عقيل مقبل على العراق وادارة الحكم في الكوفة يلزم أن يكون مداريا للآخرين فحركة الامام الحسين (عليه السلام) من أولها إلى أخرها كانت تعتمد اعتمادً أساسيا على مداراة الناس وقضاء حوائج الناس ورحمة الصغير والكبير.
وفي هذا الصدى نذكر شاهدا تاريخيا أجمع عليه المؤخرون عندما أقبل الامام الحسين إلى أرض العراق، وقبيل أن يلتقي بالحر الرياحي كان قائدا عسكريا وتحت قيادته ألف فارس هؤلاء يعملون لخدمة عبيد الله ابن زياد وأول كتيبة عسكرية تأتي من الكوفة، كانت الأوامر في اعتقال الامام الحسين ومنعه من الدخول إلى الكوفة، وحينما إلتقوا بالامام الحسين كانوا في أشد حالة الظمأ أي أشد أنواع العطش، فأمر الامام الحسين أن يسقوا القوم ويرووهم من الماء ورشّفوا الخيل ترشيفاً، فقام فتيانه فرشّفوا الخيل، فقام فتيةٌ وسقوا القوم من الماء حتّى أرووهم، وأقبلوا يملؤون القصاع والأوتار والطّساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس، وفي مشهد آخر شاب أنهكه العطش فعندما أراد أن يشرب كان الماء يتساقط من فمه ويديه، فنزل الامام الحسين (عليه السلام) من الفرس ومسك القربة بيده وأخذ يشرب الشاب الذي كان من جيش العدو.
الامام بيده كان يروي جيش العدو، فهو مصداق لمداراة الناس وإن كان عدوه، وهي قمة الأخلاق وشواهد كثيرة نجدها في سيرة الامام الحسين (عليه السلام) فبهذه الأخلاق والسمو خلدت ثورة الامام الحسين، ونحن للأسف نعاني من مصادر الثقافة فينقل حياة الامام القتالية فأغلب ما يركز المنبر الحسيني والكتب المتوفرة على يوم الطف وما جرى بعدها وقبلها، لا نملك دراسات عن حياة الامام فخلال ست عقود من زمن كم حادثة وقصة لم ينقلها التاريخ فهذه اشكالية تاريخية وعلى الباحثين والموجهين والخطباء أن ينظروا إلى هذه الجوانب من حياة الامام.
فالأخلاق الحسينية تسوق أرقى نموذج، تصنع النموذج تصوغ شخصيته وتسوقه إلى الأمة ليكون كادرا قياديا ملتزما وهذه التوصيات التي قدمها الامام لسيدنا مسلم ابن عقيل توصيات استراتيجية حياتية يحتاجها الانسان في كل حركة وثورة ونضال فيحتاج إلى هذه التوصيات من التقوى والكتمان والمداراة.
المداخلات
حنان حليم/ صيدلانية
جزاكم الله عنا خير الدارين، ووفقتم لكل خير شيخنا الكريم، وللقائمين على الاجتماع، استفدنا جدا من كلمتكم ولاسيما مزامنتها مع شهر محرم الحرام، نسألكم الدعاء بالتوفيق بحق محمد وآل محمد وما أردنا الاشارة إليه ذكرتموه في نهاية الكلمة، في هذا الزمن الذي يفتقر إلى النموذج الحق نجد حاجة ماسة لذكر أخلاقيات الامام الحسين صلوات الله عليه والمعصومين جميعاً لخلق الأسوة والطريق الفاعل للارتباط وتصحيح المسار والرجوع لجادة الحق، نهيب بأصحاب الكلمة والخطباء والفضلاء والكتاب أن يأخذوا بأيدينا بظل الظروف الراهنة وصعوبة الوضع والتحديات ومن الله التوفيق.
سارة الحبيب/ باحثة
نحن في مثل هذه الظروف الراهنة بسبب الوباء، وقد أغلقت الحسينيات وخصوصاً النسائية منها في الكويت، وربما في أغلب دول الخليج، أقترح أن نستغل فرصة وجودنا في البيت وبالذات في عشرة محرم بعدة برامج:
1- مطالعة كتب حول شخصية الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وعن ثقافة عاشوراء .
2- الاستفادة من برنامج الزوم والانستغرام.
3- متابعة خطباء مفكرين أصحاب مستوى ثقافي وقرآني عن طريق برنامج الزوم أو الانستغرام أو التلجرام.
4- عقد مؤتمرات أو محاضرات من خلال برامج الزوم عن قضية أخلاقيات عاشوراء، أو قضايا تربوية حسينية .
5- حفظ أحاديث أو روايات عن الإمام الحسين (عليه السلام) والتركيز على فئة الفتيات والفتيان .
6- دراسة وتأمل في دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة .
7- دراسة تدبرية وتأملية عن واقعة عاشوراء .
8- عمل بحوث حول قضية معينة من واقعة الطف إما عن الأنصار أو أخلاقيات الإمام الحسين في عاشوراء أو موضوع يخدم فيه رسالة الإمام الحسين عليه السلام.
أم حسن داماد/ ناشطة اجتماعية
إن هذه الأسس القيمة التي ارتكزت عليها نهضة عاشوراء المباركة هي بالحقيقة أساس لبقاء جميع القيم السامية وانتشارها في أرجاء المعمورة بشرط أن نتحل بها أولاً كقيادات كما كان الامام الحسين (عليه السلام) ومن ثم نأمر بها الأقرب فالأقرب حتى تتسع الدائرة وتعم الدنيا بمن فيها كما فعل (صلوات الله عليه) فكان أصحابه خير الأصحاب باتخاذ منهجه السامي والسير على خطاه.
العلوية علياء ال ماجد/ ناشطة اجتماعية
لنجعل من موسم عاشوراء هذه السنة مميزاً بالبداية بالتركيز على تطهير الباطن والمجاهدة على ذلك (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)، (وإن الله لا يغير ما في قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، فلنستثمر هذه الأيام المباركة بالتركيز على الأخلاق (إنما بعثت فيكم لأتمم مكارم الأخلاق)، وهذه الأخلاق نتاج المعتقدات أي ما يؤمن به العقل النظري يطبقه العملي.
فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "يا معشر الشيعة إنكم قد نُسبتم إلينا، كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شينا"، أسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم السير على خطاهم وكما يتمنى الوالد لولده أن يكون أفضل الناس لنسبته إليه كذلك فإنهم يتمنّون من أتباعهم أن يكونوا أفضل الناس لنسبتهم إليهم (عليه السلام).
وعلّق سماحته: نحن نطرح أصل الفكرة أعني طرح مواقف، سلوك، قضايا الحسين خلال مختلف مراحل حياته خلال سبعة وخمسين عاما لا يجوز لنا بحال اغفالها واهمالها وأن نسعى لطرح قضايا ومفاهيم جديدة وغير مسموعة وفي مجال أوسع، نعم التركيز في محرم على ما يرتبط بالمناسبة، طالعوا كراس السائرون في طريق الحسين لزيادة المعرفة، الذي يحتوي على أكثر من ستين مقترح للحسينيين الأحرار.
الأسئلة والأجوبة
وطرحت السيدة زينب صاحب/ مديرة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية سؤالا:
كيف يمكن تسويق النموذج الحسيني من المحلية إلى العالمية؟
وكيف يمكن أن نستثمر موسم عاشوراء في ظل هذه الظروف في تغيير حياتنا نحو الأحسن؟ وصناعة التقدم الشيعي في مجتمعاتنا؟
فكان جواب الشيخ: بحركة اعلامية حسينية ملتزمة، والتواصل مع الجيل الصاعد باحترامه والجلوس معه وارشاده بحكمة عالية ومودة حميمة وخدمة فكرية، القضية مرحلية بعد انجاز المحلية ننتقل إلى المنطقية ثم العالمية، وطبيعتها تقوم على الاعلام، المتزن والملتزم وأيقن الدعوة بالتي هي أحسن.
زينب الأسدي/ كاتبة
لم يذكر لنا التاريخ أنّ المذهب الشيعي وصل إلى أدوار فيصلية وقاطعة في خلق الحضارة والرقي الأخلاقي والعلمي (هناك شواهد ولكن لا تشفي الغليل) وما توصلت إليه بعض التيارات نستشكل فيها استخدام العنف وعدم السلمية من خلال الحروب، ألا يُخشى علينا أن لا نقتدي أبدا بالنماذج الحسينية التاريخيّة وأن يمرّ علينا ذكرى المولى سيّد الشهداء هذا العام أيضا كغيره من الأعوام دون خلق التّحوّل؟.
أجاب الشيخ الأسدي:
أولا: التاريخ بحر خضم زاخر لا ساحل له ولا ضور، فهما وصل لنا لا نعرف الحضارة الانسانية حتى نحكم، هل تعرفون كم دولة شيعية أقامت في التاريخ، هناك بعض أهل الخبرة منهم المجدد الثاني الامام الشيرازي يقول مئة وسبعة عشر دولة كانت تحت شعار علي ولي الله، فنحن لم ندرس التاريخ كاملا حتى نعرف.
ثانيا: استخدام العنف في التجارب التي أمامنا، العنف غريزة في الانسان، فالنموذج الفاشل لا يعني فشل المجتمع فالتاجر الفاسد لا يعني التجارة فاسدة، فهناك قاعدة الميسور، فيلزم تقوية حافز لاستخدام أساليب السلمية لبناء الحضارة الانسانية .
ثالثا: نخشى في هذا العام أن يكون كالأعوام السابقة، لا نتحول ولا نستفيد ممكن يكون كالسابق لكن بالقرار والارادة وجهاد النفس، فيقول الامام الصادق (عليه السلام): "أقوى الناس المتوكلون على الله" نحاول أن ندرس الأوضاع ونجاهد أنفسنا حتى نحصل على الثمر ونكون من خدمة سيد الشهداء (عليه السلام)..
وفي ختام الندوة تقدم سماحة الشيخ بالشكر والتقدير للأخوات المؤمنات وقدم نسخة pdfمن كتاب السائرون على طريق الحسين من تأليف سماحته هدية بمناسبة قدوم شهر محرم الحرام، وهناك العديد من الكتب التي قام بتأليفها ومن الجيد الاشارة إليها ليعرف القارئ منها: النجاح على أنقاض الفشل، شورى الفقهاء المراجع، مستقبلك بين يديك، أزمة السكن.. قراءة في الأسباب والحلول، وغيرها من المؤلفات القيمة.
اضافةتعليق
التعليقات