فكرة ماهية خلق الإنسان وتعبيد الطرق التي على أساسها جعل الله تعالى عبده خليفة على الأرض، تعود الى أساس توظيف قدرات الإنسان العقلية والجسدية في سبيل تقديم ما يريده الله من الغاية في خلق البشرية.
ويعتقد البعض بأن الغاية من خلق الإنسان هي العبادة فقط، ولكن هذه الغاية تبقى ناقصة ما لم توازي مفهوم تقديم رسالة مقدسة الى البشرية.
وهذه الرسالة تأخذ جوانب عديدة، منها العقلية ومنها الجسدية وتفرعات هذه الرسالة تكمن في موقع الانسان الاستراتيجي ومساحة قدرته في العطاء.
ومن النقاط المهمة التي تساهم في ان يكون الإنسان رسالياً ويحقق غاية الله من خلقه، هو الوصول الى قناعة تامة بأن كل إنسان خًلق من اجل تقديم رسالة معينة على اختلاف العمر والجنس والمكانة الاجتماعية، والإيمان التام بالقدرات الذاتية وتطبيق الأفكار النظرية على ارض الواقع والثبات على المبادئ السامية، والإصرار في التغيير حتى لو كان الموضوع يعمل على المدى الطويل ويأخذ وقتاً طويلاً حتى يؤثر على المجتمع ويكون سبباً اساسياً لعملية التغيير.
اذن في هذه الحالة يحتاج الإنسان الرسالي صبرا طويلاً وايماناً كبيراً بالله اولاً وبقدراته ثانياً، لترك بصمة إيجابية كبيرة في المجتمع.
ولكن اكتشاف هذه الرسالة وماهيتها في تقديم الخدمة الى الأمة وتطوير البشرية يرتكز على الإنسان نفسه في اكتشاف قدراته ومقدار تطورها.
وفكرة ان تكون القابلية محدودة بالعطاء تتوقف على شخصية الإنسان نفسه لأن العلاقة بين العطاء والاكتساب غالباً ما تكون طردية..
فالإنسان إذا أراد العطاء لابد من الاكتساب، فعلى سبيل المثال لو اراد شخص كتابة رواية معينة لابد ان يقرأ مئة كتاب ورواية حتى يتمكن من اعطاء شيء نافع متمثل بكتاب واحد على مجمل القراءة العميقة الناتجة من مئة كتاب.. لأن فكرة الاكتساب من الأساس تفوق العطاء بإضعاف اضعاف.
وتعتبر طاقات الإنسان عظيمة جداً، وعدم الاستفادة من هذه الطاقات غالباً ما تعود الى الخمول وخور العزم، لأن الكثير من الأفعال تقتضي النشاط والمثابرة في تطبيقها على ارض الواقع، وفي هذه الحالة يحتاج الانسان بين فينة وأخرى الى التحفيز بوجهيه المادي والمعنوي، وهذا التحفيز لا يترك تأثيره على الإنسان الاّ إذا توضحت أهداف العمل المراد قيامه.
فمثلاً لو كان الهدف من تكوين مجموعة شبابية لتنظيف شارع المدينة هو الوصول الى الرضا الذاتي في تحقيق رسالة الإسلام التي تحث على النظافة وروح الجماعة.. لأختلف الوضع كثيراً فيما لو كان العمل هو فعل اجباري بحت مفروض على مجموعة شباب لتنظيف الشارع!.
لأن الفعل الأول سيكون بطيب الخاطر وقائم على المشاركة امّا الفعل الثاني سيكون مقتصراً على أداء واجب ينقصه الحب وروح العمل الجماعي.. وكما معروف بأن كل فعل ينقصه الحب لن يظهر بالوجه المطلوب.
وكل إنسان هو صاحب صوت ورأي، ويستطيع من خلال منبره الخاص إيصال قناعاته الى العالم أجمع، فالمعلم يعتبر المرشد والمربي الأول الذي يترك تأثيراً عميقاً في نفوس العالم، وهنا تزداد مسؤولياته لتحقيق غاية الله وقيادة الأجيال الى الطريق السليم..
كذلك الحال مع الكاتب والصحفي الذي يستثمر قلمه في ترسيخ المبادئ والقيم في نفوس المجتمع، وتصحيح التضليليات الإعلامية التي تحاول خدش المفاهيم المقدسة.
كذلك الطالب والموظف بحسب اختلاطه المباشر مع الطبقات المجتمعية المختلفة يستطيع ان يصنع حلقات نقاشية واصلاحية مؤثرة في الجامعة والمدرسة وحتى في أماكن العمل ضمن اوقات الفراغ، ويترك تأثيرات كبيرة في دائرة الزملاء والأصدقاء وغرس العلوم والآراء الصالحة في بنية المجتمع.
ولكن النقطة الأهم، التي تختصر جميع الطرق ليكون الإنسان رسالياً، هي الإحساس والشعور بالمسؤولية.. فعندما يشعر الانسان بالمسؤولية تجاه فكرة خلقه سيقدم كل ما في وسعه لإطاعة الله والعمل على رضاه، لأن في هذه الحالة سيكون العمل خالصاً لله وحده، ولن ينتظر الشكر والثناء من الناس، لأن الشخص الرسالي في جلّ حالاته لا ينتظر من عمله سوى الأجر من الله (سبحانه وتعالى).
وفي كل الأحوال مسؤولية كل انسان تجاه الله ودينه ان يكون شخصاً رسالياً، وخليفة في الأرض، ويساهم في نشر المفاهيم السامية والقيم المؤثرة في المجتمع وتصحيح المسار الثقافي الذي بدأ يحذو حذواً آخر تحت سيطرة الغزو الأخلاقي والتضليل الفكري الناتج من الأيادي الخبيثة التي تحاول تحوير المجتمع من منهجه السليم الى منهج اسود مظلم وقيادته الى بر الامان.
اضافةتعليق
التعليقات