مع هذا التطور الباذخ الذي نمر به، متمثلا بجميع جوانب الحياة العلمية والعملية نستطيع ان نلاحظ تخثر بعض الأفكار والمعتقدات البالية التي ارتسمت في ذهن المجتمع الشرقي ولازالت مسيطرة عليه الى يومنا هذا.
ومن ابرز هذه الأفكار هو دور المرأة في الحياة، والتي لم تأخذ حقها الكامل في المجتمع بالطريقة التي يسمح لها مشاركة الرجل بالميادين السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، وان تواجدت بالساحة فسيكون دورها ظاهرياً فقط.
هل نستطيع ان نقول بأن اللوم يقع كاملاً على الرجل لأنه لم يفسح المجال للمرأة بأن تمارس حقوقها بالطريقة التي شرعها الله لها، ام يعد التقصير من جانب المرأة نفسها؟، لأنها لم تروض المجتمع على العمل بكل جدية حتى تثبت للعالم بأنها انسانة متمكنة وقادرة على تحدي الواقع في طرح الأفكار السليمة والمقترحات الايجابية التي ترفع المجتمع نحو العلا.
بكل الأحوال لا نسِتطيع الانكار بأن المرأة على وجه العموم عاشت فترة مقيتة اكلت جميع الحقوق الإنسانية التي حقت لها، والتي تمثلت بالفترة الجاهلية التي انتشر فيها وأد البنات، على أساس انها عورة وكائن غير نافع.
حتى جاء الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ونبذ هذه الحالة واخرج العالم من جاهليته، ورفع شأن المرأة واعطاها حقوقها الكاملة وفق دستور الهي بحت. فالشواهد المتواترة على وجود المرأة في المجتمع الإسلامي وبيان مركزها المهم آنذاك عكس نظرة إيجابية عن دورها الفاعل في المجتمع.
فظهورها وهي تتبادل الحديث وتناشد الشعر وتقضي حقوق الناس، وتحضر الاجتماعات العامة وتساند المقاتلين في المعركة، جميعها مذكورة في كتب التاريخ والسيرة النبوية والصحابة والتابعين لهم موضح على اثره علو شأن المرأة ومركزها المهم في المجتمع.
اذ كانت نساء المسلمين تظهر في الاماكن العامة، في حدود الاختلاط المنسجم مع ابعاد الاخلاق الإسلامية، وان التحذير والمنع جاء فيما يتنافى مع طهارة الاخلاق واللهو والوقوع في خطر الرذيلة وما شابه ذلك.
ومع الأسف الفهم الخاطئ لأبعاد الدين خلق من حياة المرأة أسلوب نمطي لا يتوافق مع النهج الذي نصه الله لها.
فالرسول (ص) اقتلع جذور الجهل وخطا اول خطوة لرفع شأن المرأة وبقيت الخطوات الباقية على المرأة نفسها في اثبات شأنها والارتقاء بذاتها، لتكون على اساسه نموذج فعال في المجتمع تسعى من خلاله في تحقيق الأهداف الذاتية التي تخدم الأمة وتساعد في نهوض المجتمع.
فكسر هذه الصورة النمطية التي ارتسمت على المرأة يجب ان تتغير، ولا يحدث هذا التغير الاّ بعدما تغير المرأة من نفسها وتسعى للارتقاء على بعد عميق حتى وان كان من داخل بيتها (وذلك اضعف الايمان).
والخروج الى الساحة الاجتماعية بقوة وركيزة تامة، وهذه القوة لا تأتي الاّ بعدما تتحزم المرأة بسلاح العلم والايمان.. لأن خروجها الى العالم بجهل سيقلب جميع الموازين ضدها وستثبت للعالم بأنها غير صالحة للقيادة.
نستطيع ان نقول بأن الصورة النمطية التي ارتسمت للمرأة وأصبحت تتعايش معها بطريقة طبيعية هي الصورة التي لا تتعدى حدود البيت والزواج وتربية الأطفال. ويا ليت ان يقوم بيتها وتربية أولادها على النهج المفروض الذي تتمكن من خلاله ان تؤسس بيت مكافح وتربي اطفالها على أسس ومبادئ مهمة.
ولكن الاغلب يهتم في اطعام أولاده اجود الطعام وادخالهم المدارس ثم تزويجهم ثم يترك لهم إرثاً لا بأس به يستطيعون من خلاله ان يدبروا امرهم بعد وفاته.
وبالفعل هنا تكمن المشكلة... عندما نهتم بالجوانب المادية ونترك الامور النفسية والاجتماعية تأخذ لنفسها حيزاً بعيدا عن جو العائلة، وهذا لا يعني بأن المادة غير مهمة، المادة مهمة ومهمة جداً ولكن بشرط ان لا تطغى على الهدف الأساسي من انجاب افراد صالحين وتربيتهم من اجل خدمة الأمة.
ولأن الطفل سيقضي فترات طويلة مع الأم، اذن مسؤولية المرأة في تربية الاولاد اكبر واعمق، ولكي تنجح المرأة في هذا الامتحان عليها ان تتقن فن التربية وتتعلم قواعد الحياة وتكون على دراية تامة في كل ما يحصل بالعالم من الناحية السياسية، الاجتماعية، التكنولوجية، وتواكب التطور لتكون نموذج واعي وخير مثال للام المعاصرة التي تتفهم أفكار الجيل وتمتلك لغة مخاطبة راقية مع اولادها.
اما من الناحية السياسية والعسكرية فالمرأة لا تقل شأناً عن الرجل لو وظفت طاقتها وعقلها بطريقة صحيحة، كلمة (لو) هذه هي الفاصل في ان تكون المرأة قيادية او لا تكون، لأن التمني وحده لا يأتي بشيء!، نحتاج الى العلم الى الدراسة، الى الايمان بالقدرات الذاتية، نحتاج الى العمل والتطبيق.
فالفكر هو مرآة الإنسان، واللسان هو الذي يعكس هذه الأفكار، ولتجديد الأفكار وقطف ثمار الثقافة على الإنسان التزود بسلاح العلم والمعرفة وخصوصاً المرأة كي تتمكن من مواجهة جبروت المجتمع.
لأن الفكر هو السبيل الوحيد الذي يجعل الإنسان أكثر وعياً بما يحيطه، وبه يكون المرء أعمق إدراكاً لأبعاد وجوده وعلاقته بالكون. لأنّ الإنسان يطلّ من خلال أبراج فكره على عوالم جديدة، فتتسم رؤيته بالشمولية التي تجعله أكثر وعياً بالحقائق، وأكثر قدرة على معرفة ما كان يجهله فيما سبق.
والطريق المبلط هنا هو المتابعة الدائمة والسير على خطا الناجحين والمشاركة في المشاريع او الاجتماعات التي تنمي الجانب الذي تطمح المرأة في الوصول اليه.
وهنالك بعض النقاط التي تهدف الى كسر النمطية بصورة عامة والتجدد الإيجابي الدائم وقد تم طرحها في مقال سابق (الصالون الفكري يقدم تخفيضات هائلة على مكياج العقل) منها:
1- توسعة دوائر المعلومات، ورصد الأفكار الجديدة، والتناغم مع العولمة الحاصلة.
2- التسلح بالثقافة، عن طريق المطالعة المستمرة ومتابعة البرامج الثقافية والتعليمية.
3- الخروج من النطاقات الفكرية المحدودة، وتوسعة دائرة الصداقات والمعارف ومخالطة المجتمع من شتى الثقافات، والدخول في نقاشات حول مواضيع معينة، لتبادل الأفكار في دائرة أوسع والاستفادة من خبرات أصناف المجتمع.
4- تكوين حلقات نقاشية أو ما تعرف "بالمطابخ الفكرية" لطرح موضوع معين يشغل بال عامة الناس ويثري اهتمامهم ومناقشته من مختلف الجوانب، وطرح الرؤى والأفكار الجديدة.
5- الاستمرار في قراءة الكتب، سواء العلمية منها، او الثقافية، الاجتماعية، الادبية، التنموية، الدينية، للاستفادة الفكرية والنفسية، وفتح آفاق متعددة، إضافة الى خلق خيال خصب، يصلح لزرع المبادئ والأفكار الصحيحة.
6- طرح جميع التساؤلات التي تشغل فكر الإنسان على أصحاب الاختصاص والثقة، كي لا نسمح لأي شك أو سؤال يسرح في خوالجنا بلا إجابة.
7- تطبيق المفاهيم المكتسبة على ارض الواقع، ليصبح تطبيق عملي للثقافة النظرية التي اكتسبناها من القراءة والتعليم و...الخ.
وفي النهاية نستطيع ان نقول بكل جدية وصراحة بأن زمام الامور بيد المرأة نفسها، فمن تمثل نصف المجتمع لها قدرة على تغيير النظرة النمطية التي ارتسمت لها، وان تقلب النتائج لصالحها ما دام الله والدين سمحا لها بذلك وشرعا لها حقوق لا يستطيع اشرّ خلق الله انتزاعها منها.. وفي كل الأحوال المرأة المتجددة دلالة على قوة المجتمع الذي يسعى الى التجدد والنجاح.
اضافةتعليق
التعليقات