الأخلاق هي الطبع والسجية التي يتربى عليها الفرد ومايكتسبه من أصالة القيم والمبادئ الانسانية.. سواء من الأسرة أو محيط المجتمع؛ مترجمة في انعكاسها على سلوكه سواء كانت تصرفات جيدة أو سيئة وهي أساس متين لكل فلاح وتوثيق في حياة الإنسان.
وهي كالدستور الذي يقيم سلوكيات الأفراد وتَصرُفاتهم. وهي منظومة من المبادئ والقوانين التي تحكم المجتمع، وتقوده نحو الصلاح والتقدم والنهضة، وتحميه من الضياع والتشرذم.. ولأهميتها في بناء الأنسان وصناعة أفراد مثاليين ومهذبين في المجتمع؛ دعا إليها اللّه في كتابه المجيد لتأسيس قاعدة رصينة! من خلال تأكيد وتطبيق ماورد في كثير من آيات، ونصوص قرآنية؛ فهي مصدر القيم الأخلاقية، ومناهل من البذل والعطاء وروح التكافل بين الأفراد.
فوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحقيقا للقيمة الخلقية يُرشد العقل.. وبه يستطيع الإنسان التمييز بين الخير والشّر ويختار الإنسان أحدهما بإرادته، ويتحمل نتيجة اختياره أمام الله تعالى يوم الجزاء بالثواب أو العقاب. وكما قال رسول اللّه محمد صلى الله عليه وآله: (خيركم إسلاماً أحسنكم أخلاقاً) مرشدا وموجهاً امتهِ في فن التعامل مع الآخر على أساس الأخلاق الرفيعة وعلى اساس التعامل الإنساني الذي يحب فيه الانسان لأخيه ما يحب لنفسه ويحبُ بعضهم بعضا..
ومن هنا نبني مجتمعا صالحا مثقفاً واعياً وناضجا يعرف كيف يتعامل مع الآخر، كيف يبني مجتمعًا من خلال القيم الأخلاقية الرفيعة. ونبني مستقبل لأبنائنا، يحمل في طياته الأمل والتفاهم والخلق والنجاح.
لأن الأخلاق هي العلم بالفضائل وكيفية اقتنائها ليتحلى بها الإنسان، والعلم بالرذائل وكيفية توخيها ليتخلى عنها الإنسان. وبها تزيد روابط الألفة بين الأفراد، وتظهر أشكال التعاون والتكافل الاجتماعي، فتتماسك المجتمعات وتزيد قوتها وهيبتها.
ومما هو معروف لدى علماء الأخلاق أن الخلق إنما يتكون بالممارسة؛ أي ممارسة القيم الإنسانية بكثرة التكرار والمداومة والمواظبة عليها، وبما أنه لا يجوز لنا أن نبني مجتمعا دون الأخلاق والقيم التربوية السامية.. لذلك يجب المداومة على غرس العادات والقيم الأخلاقية في البيت والمدرسة؛ لنضمن قدر المستطاع مجتمعا يربي جيلاً مثقفاً ويحمل معه معاني الإنسانية التي يمكن من خلالها أن نجعل الآخر يرتقي وأن يكون أنا بشرط أن يحمل مفهوم القيم التربوية السامية، ونحافظ عليه من الثقافات المستحدثة التي من شأنها أن تسرق أصالة القيم والمبادئ التي حثنا عليها ديننا الحنيف، وما اكتسبناه من عادات وتقاليد اصيلة، فأمتنا خير أمةٍ، كما جاء في كتاب الله "وكنتمْ خير أمَّةٌ أخُرجِتّ للناس“.
من أجل ذلك ومنذ أول وجود المجتمع الإنساني كانت المهمة الأخلاقية من أحسن المهمات لسائر الأديان والمذاهب الأخرى؛ فهي سمة المجتمعات الرّاقية المتحضّرة، فأينما وجدت الأخلاق فثمّة الحضارة والرّقي والتّقدم. فمكارم الأخلاق أشد حاجة للأفراد والمجتمع البشري. اذن مهمة تأصيل الأخلاق مسؤولية كبيرة يجب ان يتبناها الجميع من أول منشأ للطفل وبالأصل من جذور المنبت الحسن الأُسس الأسريه المتينة والتي هي قاعدة الأخلاق الرصينة.. فقد قيل (من شبّ على شيءٍ شاب عليه) ثم المؤسسة التربوية. التي تعد هي: المرتكز الأساس في عملية التنشئة الفكرية والتربوية والخلقية والاجتماعية ، وهي حجر الزاوية وذات أولوية في بناء الإنسان وتطويره وبلورة مفاهيمه وسلوكياته.
إضافة للفطرة التي يكتسبها الطفل من محيط اسرته، وبالتالي حماية الأخلاق الحسنة من الإندثار والنسيان.. وللتربية دوراً حيوياً مهماً في بناء شخصية الفرد والمجتمع وتشكيل أخلاق الانسان وسلوكه العام من جيل الطفولة المبكرة، من خلال نشر الثقافة الأخلاقية وتدريسها على أيدي خبراء ومعلمين أكفياء لتصل المعلومة بأيسر الطرق وأيسرها للمتعلمين.
لذلك ضرورة التأكيد على أهمية دمج "التربية والأخلاق" في بناء شخصية الفرد التي تنعكس على المجتمع من خلاله ولهذا فإن الأخلاق والتربية أحدهما يُكمل الآخر؛ في بناء وصقل شخصية الفرد، وإن تنمية الروح الأخلاقية والسلوك الإنساني يحتاج إلى ممارسة في التعامل مع الأخر، واكتساب العادات الجيدة والأبتعاد عن العادات السيئة واجتثاثها من المجتمع، وبهذا نبني أساساً للبنى الأخلاقية التي تكون في المستقبل بيوتا أعمدتها أناس ترعرعت على القيم التربوية السليمة وأعمدة لن تتزعزع أبدا لأنها تبني أجيالاً تحمل مستقبلاً يانعا وتبني بستانا من الأخلاق، والقيم التي من خلالها يمكن أن تجعلنا أن نفكر بالأخر ونتعامل معهُ على أساس المواطنة.. هو أخي الأنسان كما أحب لنفسي أحبّ له ذلك.. وما هو إلا سلوكا ناضجا أساسه الأخلاق العالية. وبهذا نبني مجتمعا ديناميكيا يفكر ويعمل ويشارك مشاركه فعالة.. قادر على التغيير في مجتمعه نحو الأفضل ..
وهكذا فإن التربية الأخلاقية تتناول جوانب متعددة، وغاية أسمى ومن أعظم المقومات للحضارة الإنسانية، لا يمكن الاستغناء عنها، وتؤدي إلى التعاون، والالتزام بما أوضحه الإسلام من الآداب والفضائل التي تحكم علاقات الناس ببعضهم. وهناك عنصر آخر له تأثير يكاد لايقل تأثيرا على سلوك الفرد، والنشأ الجديد ألا وهو وسائل الإعلام.. حيث يلعب الإعلام الأخلاقي المهني الدور الأكبر في التأثير على الرأي العام وترسيخ مجموعة من السلوكيات والأخلاق الحسنة. وسن قوانين واضحة ورادعة للمحافظة على التزام الأخلاق واحترامها، وخاصة في الأماكن العامة وضرورة تأصيلها والابتعاد عن العادات والتقاليد المُستحدثة وأخذ الجيد ونبذ السيء منها.
فما أحوجنا اليوم إلى أن نتمسك بأخلاقنا ونعتز بها، لنستظل بها في وافر المحبة والإخاء والترابط، ولنظهر بها للأمم الأخرى عظمة هذا الدين وجلاله وبهاءه. ونحافظ على مجتمعنا من التفكك والانحدار ونرتقي بأخلاقنا لتبقى القيم والأخلاق نبراساً يضيء طريق وحشة النفوس، ومستقبل زاهر.. مبني على العطاء وروح التكافل وحياة أفضل بعيدة عن التخلف والانحلال والفوضى.
اضافةتعليق
التعليقات