اذا صحت فكرة أن المنقذ الوحيد لنا من كارثة سيكولوجية واقتصادية هو احداث تغيير أساسي في الشخصية الانسانية من النمط السائد، نمط التملك، الى نمط الكينونة اذا صحت هذه الفكرة الأولية فإن السؤال الذي يثار هو: هل في الإمكان عمليا احداث تغيير في الشخصية الانسانية على مقياس واسع؟ وان كان ذلك ممكنا فكيف يتم؟
في رأيي أنه يمكن تغيير الشخصية الانسانية اذا توفرت الشروط التالية:
١-المعاناة، مع الوعي بأننا نعاني.
٢-الكشف عن الأصل في الحال السيئة التي بسببها نعاني.
٣-أن نتبين أن ثمة مخرجا من حالنا تلك.
٤-أن نقبل فكرة أنه لكي نتجاوز تلك الحال فانه يجب علينا أن نتبع طرائق معينة في العيش، وأن نغير ممارساتنا الحياتية الراهنة.
ومبدأ التغيير الذي يميز هذه الاساليب هو نفسه الذي تقوم عليه فكرة ماركس عن الخلاص. ولكي نفهم هذا فمن الضروري أن نكون على وعي بأن ماركس، كما قال هو نفسه، لم يعتبر الشيوعية هدفا نهائيا وانما مجرد خطوة على الطريق في التطور التاريخي المفروض أن يحرر الانسان من الظروف الاجتماعية الاقتصادية السياسية التي تنأى بالناس عن انسانيتهم، أي تجعلهم سجناء للأشياء والآلات وتجعلهم أسرى أطماعهم وجشعهم.
وتتلخص مهمة المجتمع الجديد في تشجيع تنشئة الإنسان الجديد، تنشئة الكائن الذي يتميز بناء شخصيته بالمميزات التالية:
-الاستعداد لنبذ التملك بكل اشكاله، لكي يحقق كينونته تحقيقا كاملا.
-الإحساس بالأمان وتكامل الشخصية والثقة القائمة كلها على الإيمان بكينونته وبحاجته للانتماء والشغف والحب والتكافل مع العالم المحيط به، لا لشهوة التملك والاستحواذ، واحتواء العالم... ومن ثم التحول الى عبد لمقتنياته.
-القبول بحقيقة أن لا شيء خارج الانسان ذاته، ولا أحد آخر غير الانسان ذاته يستطيع أن يعطي الحياة معنى. وانما الشرط الواجب توفره لجعل الحياة مليئة مكرسة للرعاية والمشاركة هو التجرد والاستقلالية الخالصة.
-الحضور الكامل حيث يتواجد الانسان ويكون.
-الفرحة التي تغمر الانسان حين يعطي ويشارك وليس حين يستغل أو يكتنز.
-محبة الحياة واحترامها في كل مظاهرها وتجلياتها وذلك على ضوء اليقين بأن لا قداسة للأشياء، أو السلطة، وكل ما لا روح فيه ولا حياة، وانما القداسة هي للحياة ولكل ما يسهم في انمائها.
-محاولة الحد من الشراهة والكراهية والاوهام، لأن الإنسان وصل الى حالة تتطلب الاستعانة بالأوهام.
-تنمية قدرة الانسان على الحب، مع تنمية قدرته في الوقت نفسه على التكفير النقدي غير الانفعالي.
-نبذ عشق الذات (النرجسية)، والقبول بالحدود المأساوية الكامنة في حالة الوجود الإنساني.
-اعتبار النضج الكامل للذات وللجماعة هو الهدف الأسمى للحياة.
-معرفة أنه من أجل تحقيق هذا الهدف، فالانضباط واحترام الحقيقة ضروريان.
-معرفة ان النمو لن يكون صحيا إلا اذا حدث ذلك في اطار بناء معين والتحقق أيضا من ان ثمة اختلافا بين البناء كإطار للحياة، والنظام الجامد كاطار لما هو مجاف للحياة، أي للموت.
-تنمية خيال الانسان، لا كوسيلة للهروب من الظروف غير المحتملة، وانما كاستشراف للإمكانات الواقعية للمستقبل، أي كوسيلة لإنهاء الظروف غير المحتملة.
اضافةتعليق
التعليقات