مرّت عدة أشهر وأنا لم أكتب أي مقال أو قصة أو حتى خربشة أفكار، كنت في صراع كبير مابين قلمي الرافض للكتابة وعقلي ومشاعري وكل حواسي التي تشتاق للكتابة كشوق أم تنتظر ابنها المقاتل من جبهات المعارك..
لا أعرف ماهو سبب هذا الصراع وهذا الرفض من قبل قلمي، هل السبب هو الوضع الذي نمر به من التردي بكل شيء، تردي أخلاقي ووجداني وانساني واجتماعي كل شيء أمامنا ينهار ونحن مازلنا نكتب ونأمل أن تغير أقلامنا بعض الشيء..
كيف ستغير هذه الأقلام وكيف سيسمع صوتها أمام هذا الضجيج الكبير والتسوس الفكري العارم، هل سيستطيع هذا القلم الهزيل تغيير واقع خطير ومخيف؟.
ما الذي تستطيع الكلمة تغييره أمام هذا الاعصار اللا أخلاقي الكبير، لذا أعلن قلمي النفير العام وترك أوراقه تتطاير ورمى بنفسه في نهاية الدرج.. معلناً مرحلة الطور الشتوي كما في اليرقات.. وعقلي ومشاعري التي تعشق الكتابة خضعت لأوامر قلمها برغم حبها لكلماتها وعشقها لقلمها لكنها نفذت أوامره وانسحبت منه بكل هدوء، لا أعرف ربما باتت تقتنع أن هذا الواقع ليس له تغيير وأن صوت الأقلام بات بلا تأثير.
وبمرور الوقت اقتنعت وخضعت لهذا الصوت واعتدت السكوت أمام ذبح كلمة الحق من نحره ووأد آرائي المتمردة رغم صغر سنها لأتعايش مع هذا العالم الذي طالما كنت أشعر نفسي مختلفة عنه.
الكثير ممن حولي حاولوا أن يخرجوني من كهفي لأرى النور ولكن لون سواد العتمة كان قد أعمى ناظري وبدأت التفكير في استقالة قلمي وإعلان هزيمتي. الكثير من صديقاتي حاولوا مساعدتي بكل الأساليب لكن قلمي كان جدا عنيد وجرح روحي كان عميقاً..
إلى أن صحوت في صباح مشرق مختلف عن كل الصباحات، كانت نسماته الباردة تغمر وجهي وتحرك مشاعري، استغربت مشاعري الحميمة لهذا اليوم الجميل ولم أستطع ترجمة زقزقة العصافير ولكن الشيء الذي فهمته منهم كانت عصافير ذلك الصباح فرحة مستبشرة.
وعندما أخذت هاتفي للتصفح به كعادتي عرفت سر سعادة هذا اليوم وأجوائه المفرحة كان في هذا اليوم ذكرى ولادة عقيلة بني هاشم السيدة زينب عليها السلام.
وإن لهذه السيدة سر عجيب معي بالإضافة إلى ارتباط اسمي بإسمها، هي ملهمتي وقدوتي فهي عبرتي في هذه الحياة وأستلهم من علمها ومسيرتها المشرفة.
سرعان ماترجمت شفرة جمالية هذا الصباح المشرق الذي ذكراه يحمل ولادة قرة عين البتول وبنت أمير المؤمنين عليهم السلام.
فارتسمت على ملامحي جمالية هذا اليوم الرائع وأصبحت اشراقته واضحة في ابتسامتي، لذا تم سؤالي من أحد المقربين لي عن سبب هذه الاشراقة الجميلة وعندما عرف السبب الذي هو حبي واحترامي لهذه السيدة الجليلة والانسانة الرائعة السيدة زينب عليها السلام وكيف كان لها الفضل في تغيير كل حواسي، سألني وماذا تعلمتِ من السيدة زينب عليها السلام، ربما كان سؤاله عابراً أو كان يقصد إرجاع الحياة لشيء كان يحتضر بداخلي..
السؤال كان طبيعيا ولكنه أحيا الكثير من المشاعر بداخلي فبينما كنت أجيب على السؤال وقلت تعلمت منها عليها السلام الصبر والقوة والإصرار وقول كلمة الحق والوقوف أمام الباطل بكل ما أملك.
هنا تذكرت أنني عاهدت نفسي أن اكون إعلامية كإعلامية بني هاشم التي كانت كلمة الحق الناطقة لواقعة الطف وهي السبب الأساسي في ايصالها للأجيال التالية رغم الظروف ورغم قساوة الوضع استطاعت أن تحفر كلماتها وسط أشواك الظروف وتلمع أحرفها وسط تسوس المجتمع.
هنا وقفت خجلة من نفسي ومن ربي ومن سيدتي ومولاتي السيدة زينب عليها السلام وقلت كيف لي أن أجعل من عقيلة بني هاشم قدوة لي وأنا لا أملك شجاعتها وقوة اصرارها في قول كلمة الحق بأي شكل وأي طريقة وأي ظرف من الظروف، فقد استفزتني ولادة عقيلة بني هاشم السيدة زينب عليها السلام لأستأنف الكتابة من جديد وبذكرى يوم ولادتها عليها السلام أنبتت بذرة جديدة بداخلي يملأها الأمل والإصرار.
العبرة من كلامي هي لا تيأس عندما لايصل صوتك في المرة الأولى ولكنه حتما سيسمع في الثانية والثالثة والرابعة مادام صدى هذا الصوت هو لنطق كلمة الحق يجب أن نكررها مرة وثالثة وعاشرة إلى أن تصل إلى هدفها ومبتغاها وكما قال الإمام علي (عليه السلام): لا يصبر للحق إلا من يعرف فضله.
اضافةتعليق
التعليقات