خير القلوب أوعاها، ويكأن القلب يشبه الوعاء، وكل وعاء بما وعى، وتحمّل وشاهد. وبما أن القلب لا يعلم كُنهه ووصفه سوى خالقه، لذا جاء في الحديث القدسي:
"لم يسعني سمائي ولا أرضي، ووسعني قلب عبدي المؤمن"
(بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٥٥/صفحة ٢٩).
وهنا يأتي الربط الحقيقي بين تحمّل القلب للعلم والعمل به، بل وحتى رؤيته بمنظورٍ آخر، فلنقل مثلًا: بمنظورٍ روحي. فلكل قلبٍ استحقاقه ووعاؤه الذي يتحمّل سكب المعارف والأسرار، التي لا يحملها ولا يتحمّلها إلا من غاص في بحار العلوم والمعارف.
لربما يسأل سائل عن الفرق بين المعرفة والعلم، وسيكون الجواب - رغم اختلاف الآراء - أن العلم هو العلوم الظاهرية، وحتى الباطنية، يمتلكها من يودّ أن يتعلّم.
لكن المعرفة، فهي ما ذاقه القلب، وسرى مسرى النور في الروح، فاستساغته الجوانح، ففاض نسيم الملكوت على الجوارح، فعلمت وسعت، حتى تلقى الإله العظيم وهو راضٍ عنها.
ومن ناحية أخرى، فهنالك حقيقة دامغة: أن المال لا يجلب السعادة. وكثيرًا ما نرى بين الأوساط الغنية تفشي حالات الانتحار والاكتئاب، والأمراض التي لا دواء لها. بينما نجد فئة العلماء، وإن كان دخلهم محدودًا أو قليلًا، إلا أنهم يتّسمون بصحة جيدة، وجسد قوي، وذاكرة حديدية؛ لأن العلم يحرس أهله، ويدلهم على كل خير، وكل ما يحتاجه الإنسان لإكمال مسيرته النيّرة على هذه الأرض.
ولذلك، إن كان الإنسان بلا علم، فهنا سيكون خطرًا على نفسه، وحتى على غيره؛ لأنه لن يُفرّق بين الخطأ والصواب، وبهذا سيتبع كل صوت يحدّثه في باطنه، سواء أكان شيطانيًا، أو نفسًا أمّارة بالسوء، أو صوتًا خارجيًا مما هبّ ودبّ!
لذا جاء عنه (صلى الله عليه وآله):
"صفة الجاهل: أن يَظلِم من خالطه، ويتعدّى على من هو دونه، ويتطاول على من هو فوقه، كلامه بغير تدبّر"
(تحف العقول، ١٨، ٢٩/٢١٩).
وفي لحظة إدراك، يتولّد لدينا تساؤل: كيف لمن يريد أن ينصر إمام زمانه، وهو لم يتسلّح بعد بسلاح العلم والمعرفة؟
بل كيف يُطلق على نفسه تسمية "مهدوي"، وهو لم يطبّق شرائع دينه، ظاهرها وباطنها؟!
إن أصحاب الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) هم رجال بقلوب كزُبَر الحديد من قوّتها، لكن أتُحسب أن المراد هنا هو القوة الجسدية؟
يقينًا لا، بل قلوبهم قوية بمعرفة الله، والتوكل المطلق، والتسليم لأمره، كيفما يكون.
اضافةتعليق
التعليقات