تلعب الحراكات الشعبية دورا كبيرا في تعديل الأنظمة والمفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل مؤسسات الدولة وتحويلها من صورة إلى أخرى، إضافة إلى تبني الأيدولوجيات التي تلعب دورا كبيرا في تغيير واقع حال المجتمع.
"والثورة كمصطلح سياسي هي الخروج عن الوضع الراهن وتغييره باندفاع يحركه عدم الرضا أو التطلع إلى الأفضل أو حتى الغضب.
والثورة تدرس على أنها ظاهرة اجتماعية تقوم بها فئة أو جماعة ما هدفها التغيير (لا تشترط سرعة التغيير) وفقا لأيدولوجية هذه الفئة أو الجماعة، ولا ترتبط بشرعية قانونية، كما تعبر عن انتقال السلطة من الطبقة الحاكمة إلى طبقة الثوار."[1].
والثورة لا ترتبط دائما بالعنف وسفك الدماء الاّ إذا آلت الظروف إلى الشدة والقمع من الجهة المثار عليها.
وهنالك احتمالين ثابتين تواجه الثورة: إما النجاح أو الفشل، فإذا انقادت الثورة إلى النجاح فإن هنالك الكثير من التغيرات التي ستشهدها الدولة من ناحية القرارات والأنظمة، وأما إذا آلت الثورة إلى الفشل فإن الثائرين سيتعرضون إلى تضييق كبير وستشهد الدولة تشددا فكريا وسياسيا أكبر من السابق لفرض هيمنتها وقوتها وتثبيت أركانها مجددا.
فالثورة لا تتحقق إلا من خلال الفكرة، لأن الفكرة هي أساس العمل وهي التي تزرع روح الحرية في نفس الشعوب، ثم تنمو شيئا فشيئا وتتحول إلى موقف وعمل وتتبلور الأحداث فيها وتتصاعد في إطار الثورة، إذ أن "بدون نظرية ثورية، لا يمكن أن تكون هناك حركة ثورية"[2].
لكن هنالك حركة عالمية كان لها رأيا آخر في التأثير على التاريخ، لأن نتيجة الثورة فيها لم تتوافق مع المعطيات التي أشرنا إليها قبل قليل، وهي ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، فمثلما ذكرنا بأن الثورة التي تنتهي بالفشل غالبا ما يخمد ثوارها ولا يركز التاريخ على المفاهيم التي كان يحملها الثوار لأن الدولة تحاول بكل قوة أن تحافظ على ركيزتها السياسية وقوتها الفكرية.
ولكن الحراك الحسيني كان له موقف آخر، فقد بدأ الحراك بفكرة واضحة وجلية ألا وهي الخروج من أجل الإصلاح بقول الإمام (عليه السلام): "أني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه واله وسلم".[3]
ثم تمكن صلوات الله عليه أن يزاوج الفكرة بالفعل من خلال الحراك الذي قام به سنة ٦١ هجرية.
فأصل الحراك الذي قام به الامام الحسين هو بسبب النظام الظالم الذي استحوذ على الفكر السياسي والديني في المنطقة وكان لابد له أن يثور ويقف بوجه الظلم ويبدي اعتراضه على نظام الحكم.
فالتمييز والظلم والغطرسة والنهب وإلغاء حاكمية القرآن جميعها كانت عوامل واضحة بأن تجعل الامام يثور حتى يصلح الأوضاع رغم كل شيء ودون التفكير بنتائج الثورة سواء انتهت بالنجاح أو الفشل.
لأن تكليف الانسان يقترن بالقيام بوجه الظلم، فالنتيجة ليست مهمة بقدر عزيمة الانسان وتوكله على الله والعمل بالتكليف الإلهي والواجب تجاه الإسلام لأن نتيجة ثورة الامام الحسين كانت واضحة عند الجميع أنها الشهادة.. ولكن واجب الامام وأصحابه ترتب على أن يثور على الثلة الحاكمة حتى وإن كان الأمر يكلفه نفسه وحياته وعياله، لأن أصل الموضوع هو القيام وليست النتيجة..
النتيجة هي بيد الله سبحانه وتعالى وهو القادر على قلب الموازين كيفما يشاء إذ يقول عز وجل في كتابه الكريم: "... كم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"[4].
وخير دليل هي معركة بدر التي أنزل الله الملائكة وأيد جيش رسول الله بنصر منه.
ولكن بالتأكيد هذا ما لم يحصل في معركة الطف، إذ لم ينزل الله ملائكة من السماء ولم يتحقق النصر العسكري في الواقعة، وقد تعرض أهل البيت إلى الشهادة وعاشت النساء السبي، وهنا تكمن أصل الفكرة لأن نتائج فشل الثورة التي تحصل في كل الثورات والتي ذكرناها لم تتحقق مع ثورة الإمام الحسين.
إذ أن ما حصل على عكس ما كان يتوقعه بني أمية ولم يتوافق مع نتيجة الثورة، لأن نتيجة الثورة كانت الخسارة لكنها في ذات الوقت لم تحقق النصر للدولة الحاكمة، فقد انتاب ضعف كبير في حكومة بني أمية وتكاثرت عليهم الثورات واحدة تلو الأخرى وتغيرت الأيدولوجيات وبدأت المفاهيم الحسينية الثورية تأخذ قالبها في عقول الناس حتى تعرضت الحكومة الأموية شيئا فشيئا إلى الشلل والانهيار.
وهذا الحراك الحسيني يعتبر من المعاجز التي لم يستطع التاريخ أن يفك شفرتها إلى الآن، فكيف لثورة هزمت عسكريا أن تحقق كل هذا الانتصار العظيم في التاريخ؟
وتزرع مفاهيمها وأفكارها وأهدافها في نفوس العالم جيلا بعد جيل، فالمعروف أن الثورات تكون محددة في زمان ومكان معين وتحمل أهدافا تتوافق مع البعد الزمني الخاص بالثورة وتخضع لطبيعة الشعوب، ولكن ثورة الامام الحسين اخترقت البعد الزمني والمكاني في التاريخ لدرجة أصبحت جميع الأيدولوجيات التي تحوي الثورة تدرس وتعلم للشعوب والمجتمعات وباتت مصداقا لمفهوم الثورة والحرية في العالم!.
فالحراك الحسيني استطاع أن يزاوج بين الفكر الإسلامي والعمل أو الموقف الذي يترتب علينا تجاه الاسلام، فلو نقلب في صفحات التاريخ سنجد بأن جميع الأفكار الإسلامية تحث على العزيمة والإصرار والتغيير والوقوف بوجه الطغيان ومحاربة الطاغوت، ثم نشاهد فعل أهل البيت (عليهم السلام) وتحديدا فعل الامام الحسين والحراك الذي زاوج من خلاله بين الفكر والعمل وكان النتاج ثورة إنسانية إسلامية عالمية خالدة في التاريخ!.
لأن الفكرة هي التي تزرع روح الثورية في نفس الانسان والتكليف هو الذي يقود الانسان إلى طريق الرشاد... والوقوف بوجه الطاغوت يحتاج إلى الفكر والعمل، لأن "الثورة ليست بتفاحة حتى تسقط عندما تنضج، عليك أنت أن تجبرها على السقوط"[5].
لهذا السبب تحتاج الشعوب الحرة بداية إلى كسب الأفكار من منابعها الصحيحة لكي تضمن لحركتها أساسا سليما وقويا من خلال:
١-العودة إلى القرآن الكريم واتخاذه منهجا أساسيا وثابتا للحياة.
٢-التدقيق في كلام أهل البيت (عليهم السلام) والالتزام بوصاياهم والسير على خطاهم والانتهاج بموافقهم الحرة ضد الباطل.
٣-مواجهة التضليل الإعلامي والتشهير بكل السموم التي يحاول العدو بثها في عقول الشعوب.
٤-فضح هواجس العدو والأفكار التي يحاول بثها في الشباب خاصة، والتي تهدف غالبا إلى الغاء العزيمة والإصرار والنضال من نفوس الأجيال وزرع شعارات الفردانية والمصالح الخاصة والانا والغاء المصلحة العامة على حساب المصلحة الخاصة.
وأن نتذكر دائما كيف أن الامام الحسين ضحى بنفسه وعياله من أجل المصلحة العامة، فلولا تضحيته لما كان للدين أثرا ولاتجهت الأمة نحو الضلال والانحراف.
٥-تربية الأجيال وفقا للتربية الإسلامية التي تحفظ روح الإسلام في العالم عن طريق تعزيز مبادئ الحرية والإصلاح في نفس الانسان والاقتداء بالشخصيات التي كان لها أثرا بالغا في التضحية من أجل الإسلام والمسلمين مثل الامام الحسين (عليه السلام)..
[1] ويكيبيديا
[2] فلاديمير ايلتش
[3] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٤ - الصفحة ٣٢٩
[4] سورة البقرة/ اية ٢٤٩
[5] تشي جيفارا
اضافةتعليق
التعليقات