خرج إمامنا الحسين (عليه السلام) من وطنه وديار جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)، من تلكم الديار التي كان فيها بقايا عطر أبيه حيدرة الكرار وسيدة النساء أمه الزهراء(عليهما السلام) التي سريعاً ما فارقت الحياة على أثر غدر محبي السلطة وأتباع الهوى وحزب الشيطان، وها هي ذراريهم وأتباعهم واشياعهم يسعون لإكمال مشروعهم بإطفاء أنوار السماء، ولكن (..وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة:32].
هكذا خرج إمامنا الحسين (عليه السلام) من بيت ربه ليوطنا، وليبني في قلوبنا بيت ساكنه الله المتعالي وحده، بابه اليقين، وسقفه الثبات والولاء.
هكذا خرج ككليم الله موسى عليه السلام (مِنْهَا خَائِفًا)على دين ربه وإستقامة أمة جده الخاتم.
خرج منها (يَتَرَقَّبُ) لنيل تلك الدرجة التي وعده بها تعالى ليكون (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)[القمر: 55]، على لسان جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) كما ورد: "وإن لك في الجنة لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة "(١).
خرج إمامنا الحسين (عليه السلام) عاملاً بالأسباب الظاهرية، حيث وصلته رسائل محملة بالمناشدات وطلب النجدة والاغاثة، كانت ملأى بالإدعاءات والموالاة؛ أن أَقبل يبن رسول الله إلينا!.
نعم، الامام (عليه السلام) كان يعلم بحجم الخذلان الذي تحمله هذه المراسلات، وكأن كلماتهم كانت مكتوبة بدمٍ سيُسفك عند اللقاء، لا بحبرٍ يُنبئ بنصرة، بل بخذلان وعدم وفاء.
حتى إن الفرزدق لما لقيه (عليه السلام) أخبره عن أحوال اهل الكوفة قائلاً: "أَمَّا الْقُلُوبُ فَمَعَكَ، وَأَمَّا السُّيُوفُ فَمَعَ بَنِي أُمَيَّةَ..."(٢)، فهذا الخبر لم يعيق الحسين (عليه السلام)عن مسيره، فلا حبهم ولا عدائهم كان مؤثراً على قراره، لأن رب القلوب معه، وهو منتصر به.
بل وقد قال سيد الشهداء (عليه السلام) في إحدى رسائله: "أمّا بَعد، فإنّه مَنْ لَحِقَ بي مِنكم إستُشهِد، وَمَن تَخَلّفَ عَنّي لَمْ يَبلغ الفَتْح، والسّلام "(٣)، فأهل الحق والسائرون لنشر منهج السماء هم لا يدعون لأنفسهم، ولا يطلبون أنصار لأنفسهم، بل هم يريدون أن يوصلوا الحق للجميع، يريدون لهم النجاة، فالأمام كانت رسالته صريحة وواضحة حيث قال من يلحق بي يستشهد، لا لأنجوا وأنتصر النصر الظاهري الدنيوي بل لتنجوا أي لكي لا تكون من القابلين بالظلم أو المداهنين لأهل الظلم والضلال فتهلكوا ولا تبلغوا بعد ذلك حتى الفتح.
الامام الحسين (عليه السلام) كان يريد لهم مصير كمصيره الأبدي، وهل هناك نجاة أعظم من بلوغ مرتبة الشهادة.
هكذا كانت رسالة الحسين (عليه السلام) رسالة حق، لا كرسائلهم الباطلة، وكأننا اليوم لو أردنا أن نقرأ شيء منها، لوجدنا مما مكتوب فيها يقول لنا:
ليس كل من يحبك، قد يكون صادق في حبه، فأختبره بالعمل ونوع التضحية التي يتمكن أن يقدمها فداءً لنصرة رسالتك الحقة، ولا تعول على [قلوب] الناس، ولا على [قوالبهم]، ادعهم للنجاة، وإياك أن تترك طريقك فتهلك معهم، بل سر بدربك ما دمت سائر بدرب ربك وهو معك، وحق على الله تعالى نصر المؤمنين، فكيف بسيد المؤمنين وسيد شباب أهل جنته.
اضافةتعليق
التعليقات