تؤكد المجتمعات والأديان على أهمية إعطاء واستقبال النصيحة، وتُربى الأجيال على أنها غير قادرة على اتخاذ قرار بدون استشارة الآخرين، ولكن الإنسان مع كل هذه النصائح لا يتخذ القرارات الأفضل، فلماذا؟
- لأنه يستعين بالناس:
على الإنسان اللجوء إلى الله، والاستعانة به، والاتكال عليه في كل أحواله، وهو تبارك وتعالى يرسل له الإرشاد والتوجيه بطرق عدة منها صحب صالح حكيم يعطي النصيحة والاستشارة الجيدة.
- لأن أغلب الناصحين غير مؤهلين:
على الناصح أن يتسم بسعة الأفق والاطلاع والمتابعة، والتجربة الحياتية الغنية، قادر على الإصغاء، عركته الحياة وهذبته، وتجلت محاسنه لعين كل رائي وبالأخص الجانب المستشار فيه، وأن يكون حكيماً والحكمة هبة إلهية "يُؤۡتِي ٱلۡحِكۡمَةَ مَن يَشَآءُۚ وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِيَ خَيۡرٗا كَثِيرٗاۗ"، لذا عليك اختيار الناصح بعناية، لأنك ستتأثر بقوله ولو بنسبة ما، فإذا عثرت على ناصح توفرت فيه هذه الصفات وجاءك خير الله على لسانه، ولم تتبعه فقد خسرت الكثير، قال رسول الله (ص) : الحزم أن تستشير ذا الرأي وتطيع أمره.
- لأنك لا تسشير الشخص المناسب:
يحدث أن تستشير الأصلع في طرق العناية بالشعر، أو أن تذهب لمديرك المتمكن من الإدارة في استشارة عائلية، أو أن تستشير الأقل قدرة في السيطرة على أعصابه في كيفية الوصول إلى حالة من الهدوء، النصيحة التي ستأخذها منهم غالباً غير مناسبة، والخطأ منك ليس منهم، لذا إذا أردت أن تطلب نصيحة تخص المال لا تذهب إلى صاحب الديون الكثيرة مثلاً، على إن الشخص الذي مر بتجربة عصيبة قد يكون عارفاً بجوانب الأمر معرفة دقيقة، والشخص الذي في ولد وعاش متنعماً من الصعب عليه فهم حالتك وإعطائك النصيحة الجيدة، لذا تحر الدقة.
- لأن تجارب الآخرين ليست تجربتك:
يشارك الناس دون طلب الكثير من النصائح بناء على تجاربهم في هذه الحياة وخبراتهم، وقد يطلقون أحكاماً عامة مثل "كل أهل الأب ليسوا جيدين" بناء على تجاربهم، وهذا ليس بالضرورة حكماً صحيحاً ومفيداً لك، أو قد يخبرونك إن هذا الأمر أفضل من غيره ولكنك لا تشعر بالراحة في هذا الخيار مهما حاولت، لأن ما تبحث عنه ليس ما يبحثون عنه هم.
معظم النصائح المُحِبة تنطلق من الألم الإنساني، لا أريدك أن تمر بما مررتُ به، وأريدك أن تحصل على أفضل مما حصلت عليه، وهذا منطلق حسن النية سيئ التطبيق، فقد لا أمر مطلقاً بما مررتَ به، وقد يكون أفضل ما تتمناه لا يعنيني أو مضر لي حتى!
- لأن ليس كل ناصح أمين:
الأمانة شرط أساسي في من يعطي النصيحة، وعدا ذلك فكل ما يقال يهدم الإنسان، فقد يقدم الإنسان الكثير من النصائح التي تؤذي الآخرين، وتحرص على إبقائهم في حال أسوأ منه حتى لا يتفوقوا عليه ويبقون في حالة احتياج إليه على الدوام، فالغيرة وحب النفس المتضخم وقسوة الحياة وانعدام الإيمان والنفس المريضة غير السوية تجعل الإنسان يتفوه بالسموم وغالباً دون إدراك منه، فهو يعكس ما في داخله من تشوهات على الآخرين، ويريد أن يستمر في إلقاء اللوم على سوء الحظ وصعوبة الحياة، فإن كان لإنسان أفضل مما عنده أرعبه ذلك لأنه يشير لأخطائه وتقصيره، ولأنه يشعر أنه أخذ حظه الحسن وحرمه، ولأن إسقاط الآخرين أسهل من تطوير الذات والعمل على تحسين الظروف، فالناصح الأمين نعمة ثمينة.
وقد لا يكون هذا الشخص قاصداً للشر، ولكنه في هذه اللحظة من الحياة هو كذلك، وليس باستطاعته إلا أن يكون كذلك لما مر من مآسي أو ضرورات أجبرته على ترك الكثير، وهو قد لا يكون بعيداً عنك، بل قد يكون أحد المقربين منك، لا أحد معصوم مطلقاً من الغيرة والحسد، لأنها مشاعر موجودة في الإنسان، وقد لا يدرك الإنسان وجودها فتسيطر عليه.
لذا تحقق من الأمانة في من تسأل، فأن توفرت كانت نصيحته قابلة للأخذ بها، وإن كان غير مستوفٍ لبعض الشروط الأخرى.
- لأنك تأخذ النصيحة كما هي:
عليك أن تسأل من استطعت أن تسأل، ثم تتوكل على الله وتعرض ما حصلت عليه من نصائح على عقلك الصافي الهادئ المطمئن، وتنظر إلى أحوالك، فتأخذ من النصيحة ما يلائمك وتترك ما لا يلائمك، النصائح غير قابلة للتطبيق كما هي، شخصيتك وظروفك متميزة عن الآخرين، والنصيحة عجين خام تشكلها وفق ذلك.
هل حصل أن جعلتك نصيحة من شخص مقرب تعاني طويلاً؟ إن كان جوابك نعم، فالخطأ خطأك أنت لا هو، لأنك أخذت بها وهي لا تلائمك.
كما إن علينا أن نتأكد من ألا نعطي نصائح كيفما اتفق، لكي لا نتسبب بضرر للآخرين، فمن يريد نصيحة سيأتي طالباً إياها إن وَجَدَنا أشخاص مناسبين لذلك.
اضافةتعليق
التعليقات