الذاكرة الضمنية هي التي نخزن فيها ضمنيًا (أي تلقائيًا) المعرفة. ويشرح أيزنك وكين الذاكرة الضمنية على النحو التالي:
تختلف الذاكرة الضمنية عن الذاكرة الصريحة في أنها لا تحتوي على تذكر واع، وتتضمن المقاييس التقليدية الخاصة بالذاكرة (مثل الإدراك والتذكر الحر والتذكر بالتلميح) استخدام تعليمات مباشرة لاسترجاع معلومات حول خبرات محددة؛ ومن ثُمَّ يمكن اعتبارها جميعًا المقاييس الخاصة بالذاكرة الصريحة. وتتكشف الذاكرة الضمنية عند تسهيل أداء إحدى المهام في حالة غياب التذكر الواعي.
تختلف الذاكرة الضمنية عن الذاكرة الصريحة من ناحيتين مهمتين أخريين: الناحية الأولى هي أن سعتها تكون أكبر بكثير، ويجب أن تكون كذلك لأنها تحمل جميع المعرفة الإجرائية التي نستخدمها في حياتنا. فإذا كان لا بد من ملء ذاكرتنا الضمنية فقد ننسى كيفية التنفس أو كيفية الاستيقاظ من النوم في الصباح.
وقد تم تسليط الضوء على سعة الذاكرة الضمنية في سبعينيات القرن العشرين من خلال تجربة شهيرة قام بها ليونيل ستاندينج (۱۹۷۳) . فقد استخدمت تجربة ستاندينج الإدراك، ووظيفة الإدراك إحدى وظائف الذاكرة التلقائية التي تصل مباشرة إلى الذاكرة الضمنية. وقد عُرض على الأشخاص الخاضعين للتجربة مجموعة أولية من الصور وبعد مرور يومين عُرض عليهم مجموعة ثانية من الصور. تتكون المجموعة الثانية من أزواج من الصور، كل زوج يحتوي على صورة واحدة كانوا قد رأوها في المجموعة الأولى، والصورة الأخرى لم يروها من قبل. وطلب من المشاركين تحديد الصورة التي رأوها من قبل. فإذا كان أداؤهم في تحديد الصور التي عُرضت عليهم في المجموعة الأولى أفضل من المتوسط، زيد عدد الصور. وفي نهاية المطاف نَفِدَ التمويل الخاص بستاندينج عندما بلغت المجموعة التي يتم عرضها بشكل أولي إلى ۱۰ آلاف صورة، واستمر أداء المشاركين عند هذا المستوى أفضل من المتوسط في تحديد الصور التي عُرضت عليهم لأول مرة.
يتعارض هذا الأمر مع اعتقاد معظمنا بما في ذلك المسوقون أن تلك الذاكرة الصريحة هي مخزن الذاكرة الأكثر سعة؛ ففي الواقع، تكون الذاكرة الصريحة محدودة للغاية. وقد اكتشف ستيفن روز (۱۹۹۲)، مستشهدًا بلعبة التذكر التي تختبر الذاكرة الصريحة وتسمى لعبة كيم، أن الأشخاص الخاضعين للتجربة الذين عُرضت عليهم مجموعة من الأشياء العشوائية لمدة دقيقتين وطلب منهم حفظها يمكنهم تذكر نحو ١٨ شيئًا فقط في المتوسط، ونادرًا ما يمكنهم تذكر ما يزيد عن ٢٥ شيئًا ما لم يتلقوا تدريبا خاصا على هذه المهمة.
الناحية الثانية التي تختلف منها الذاكرة الضمنية عن الذاكرة الصريحة هي أن الأولى تكون أكثر ثباتاً وأطول أمدًا. وقد اكتشف ألين وريبر (١٩٨٠) هذا الأمر لأول مرة في اختبار تعلم قواعد اللغة الاصطناعي. وقد ثبت أنه بعد مرور عامين، تُنسى العديد من القواعد التي تم تعلمها بشكل جيد، لكن السلوك النحوي الذي تم تعلمه تلقائيا و «ضمنيا» يستمر تواجده في الذاكرة ويمكن أن يواصل ظهوره بعد مرور عامين. وقد تأكد لاحقا الدور الذي يلعبه التعلم الضمني في هذا الصدد من خلال اختبارات استكمال أجزاء الكلمات التي أجراها تولفينج وآخرون (۱۹۸۲)، ويصف دانيال شاكتر ١٩٩٦) هذه الاختبارات على النحو التالي: تم عرض مجموعة من الكلمات على الأشخاص الخاضعين للاختبار مثل «قاتل»، «أخطبوط»، «أفوكادو»، «غموض»، «عمدة المدينة»، «مناخ»، ثم تمَّتْ دعوتهم مرة أخرى وعُرض عليهم قائمة أخرى تحتوي على بعض الكلمات الأصلية وبعض الكلمات الجديدة، على سبيل المثال: «أخطبوط»، «غسق»، «ديناصور»، «غموض» وسئلوا عن الكلمات التي يتذكرونها، وقد قاس هذا الاختبار الوعي والذاكرة الصريحة. بعد ذلك عُرض عليهم أجزاء من الكلمات، بعضها من القائمة التي تم عرضها سابقا وبعضها لم يكن بالقائمة. ويسمح هذا الاختبار بفحص ذاكراتهم الضمنية.
وكانت النتائج بمثابة مفاجأة كبيرة على حد وصف شاكتر:
اختبرنا الأشخاص بعد مرور ساعة وبعد مرور أسبوع على دراستهم للقائمة. بالطبع كانت الذاكرة الواعية بعد مرور أسبوع أقل دقة بكثير منها بعد مرور ساعة، ولكن كان هناك تميز في اختبار استكمال أجزاء الكلمات بعد مرور أسبوع كما كان بعد ساعة. وقد كان مضمون هذه النتيجة رائعا ثمة شيء بخلاف الذاكرة الواعية لرؤية الكلمة هو المسئول عن التميز في اختبار استكمال أجزاء الكلمات.
كانت هذه النتيجة بمثابة مفاجأة؛ لأن الحس السليم يقول إن «تعلم» الأشياء بفعالية يرسخها في الذاكرة بشكل أكثر قوة من اكتسابها» ضمنيا. في الواقع، يبدو العكس صحيحا؛ فهذه النتائج تتعارض مجددًا بشكل مباشر مع الافتراضات التي أدلى بها المتمسكون بنموذج الإقناع الدعائي، وهي أن الرسائل التي تتم معالجتها باهتمام تدوم طويلا، وأن المحتوى الذي تتم معالجته بإهمال يساهم بشكل ضئيل أو ينعدم تأثيره على المدى الطويل في القرارات المتعلقة بالعلامة التجارية.
لا يوجد تفسير نفسي مقبول للسبب الذي يكمن وراء قلة ثبات التعلم النشط في الذهن عن التعلم الضمني؛ لأنه لا يوجد حتى الآن تفسير عام حول كيفية نسيان ما تم تعلمه. يشير شاكتر إلى أن النسيان هو نتيجة التداخل الناتج عن الازدحام المتزايد بالمعلومات:
مع مرور الوقت، نقوم بتشفير وتخزين الخبرات الجديدة التي تتداخل مع الله قدرتنا على تذكر سابقاتها. أستطيع أن أتذكر ما تناولته خلال وجبة الإفطار اليوم، ولكن لا أستطيع أن أتذكر ما تناولته خلال وجبة الإفطار في اليوم نفسه من العام الماضي؛ لأنني مررت بالعديد من وجبات الإفطار منذ ذلك الوقت التي تتداخل مع قدرتي على اختيار وجبة واحدة من وسط هذا العدد الكبير من الوجبات. ويبدو أنه مع مرور الوقت، سيؤدي التداخل الناتج عن الخبرات الجديدة تدريجيًا إلى زيادة صعوبة العثور على إشارة استرجاع تستنتج الإنجرام الغامض غموضا متزايدًا.
وباستخدام الصورة التمثيلية التي أوردناها من قبل، فإن ما يُشير إليه شاكتر هو أنه كلما زاد عدد المسارات الأخرى التي يتم إنشاؤها عبر حقل الأعشاب، زادت صعوبة رؤية المسار الأصلي واتباعه. قد يفسر هذا الأمر السبب وراء زيادة ثبات الذاكرة الضمنية في الذهن، فحفظ شيء ما في الذاكرة الصريحة يُعَدُّ عملاً واعيًا؛ لذلك يمكنك «تذكر» كل ما تريد تذكره، فأنت تمتلك فعليا السيطرة على الحقل ويمكنك ضبط المسارات والإضافة إليها بقدر ما تشعر بأهميته. ولكن لأن الذاكرة الصريحة تكون أصغر من الذاكرة الضمنية، يكون الحقل أكثر محدودية، وهذا يعني أنَّ من السهل نسبيًّا حجب المسارات القائمة، وهذا هو السبب في أن من السهل نسبيا نسيان بعض الأشياء مثل الإعلانات أو الاعتقادات، ولكن الذاكرة الضمنية لا تكاد تنضب وهي ليست واعية، وهذا يعني أن الحقل يكون أكبر بكثير ولا تملك السيطرة عليه؛ لذلك ستبقى المسارات كما هي حتى يتصادف ظهور شيء آخر واستخدام هذا الجزء ذاته من الحقل.
أُجريت تجارب شاكتر وتولفينج في أوضاع استطاع فيها الأشخاص الخاضعون للتجربة إيلاء أكبر قدر من الانتباه كما أرادوا؛ لذلك لم يكونا قادرين على اختبار مقدار الانتباه الذي تم إيلاؤه. ومع ذلك، فقد تكررت هذه التجارب في بيئة ذات انتباه كامل وبيئة ذات انتباه مشتت. ولكن النتائج كانت بمثابة مفاجأة أخرى، حيث أظهرت أن الانتباه في وقت التعلم يمكن أن يكون ذا أهمية حاسمة للتذكرالواعي اللاحق، ولكنه لا يتعلق بالذاكرة الضمنية.
اضافةتعليق
التعليقات