• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

عارضٌ ينقَدح، وعقولٌ تَميل.. وصيةٌ عابرةٌ للأزمان

مريم حسين العبودي / الأحد 15 حزيران 2025 / اعلام / 454
شارك الموضوع :

المقال الفائز بالمرتبة الثانية في مسابقة "الغدير.. وعد السماء للمؤمنين"

يتجوّلُ أحدهم بين المجالس، يُنصتُ لما يُقال تارةً، ويدلو بدلوه تارةً أخرى، يؤمنُ بأفكارٍ جمّة، مبادئٌ يظن أنها راسخةٌ فيه رُسوخ الجبال، ولديه ثوابت فكرية لا يتزعزع عنها بأي حالٍ من الأحوال. يمتلك الجرأة والإقدام ليُفنّد ارآء الآخرين، يُحاجج هذا، ويرتفع صوته هادراً بالحق مع ذاك، لا يردعهُ عن رأيهِ رادع... وبعد جلساتٍ متوالية مع جماعةٍ من الناس، ونقاشاتٍ تُطرحُ فيها اراء جديدة وأفكار برّاقة، يخفُتُ صوته، يزدادُ الإنصات وقدمٌ تتراجعُ للخلف خطوتين، حقائق علمية من هنا، وأقوال لأسماء متلألئة من هناك، يتأرجح اليقين الذي في نفسه، ويتراجع المبدأ الراسخ، يبدأ العقل بالإقتناع بما يسمع، تأخذُه فورة الأندهاش بهذا الجديد، يتقهقر منسحباً ثم.. تنقلب الموازين كلها، يستسلم، ويسودُ صمتٌ مُطبَق.

تستغرق عملية بناء الآراء والمبادئ الشخصية عمراً  كاملاً، يبدأ من سنيّ الإنسان الأولى من وعيه، إذ يتأثر في كل ما يجري حوله، من أحداث وردود أفعال داخل العائلة وخارجها من مجتمع الشارع والمدرسة والأقارب والأصدقاء؛ فتُبنى على أثرها انطباعات شخصية تتطور فيما بعد لتجد تفسيرات تمنحها عناوين واضحة وتقسّمها في حقول دينية واجتماعية ونفسية وفكرية، عناوين تكثّف رسوخها وتشكّل ماهية وجود ذلك الشخص وتهيئه فيما بعد لتأدية رسالته على هذه الأرض.

تتنوع اليوم المصادر التي تنشد تغيير الفكر وإعادة برمجته؛ يتم معاملة العقل من خلالها معاملة أرضٍ يُراد تغيير محاصيلها، فتُحرث من جديد بشكلٍ كامل، ثم تُبذر ببُذور لا قِبل لهذه الأرض بها، تستهجنها التُربة في بادئ الأمر، ثم ما تلبث أن تحتضنها وتُغذيها وتمُدها بما يلزم لتنمو وتكوّن نباتاً جديداً يسُرُ بمنظره الناظرين. وإنه من السهولة بمكان إعادة تقليبُ تُربةٍ لا جُذور عميقة تضربُ في لُبها، ولا أشجار معمّرة تعلو فوقها لمئات السنين، يكفيها جُهدٌ بسيط ليندثر الزرع الذي كان فيها ويُصبح في طيّ النسيان.

يتم استغلال قابلية الأفراد للتخلي عن مبادئهم في العزف الناعم على أوتار النفس البشرية للإنسان الحديث وتشكيك المرء بكل ما نشأ عليه، بأن يُوهَم بأنه له دوراً مفصلياً في عملية واسعة النطاق ستنقلهُ إلى حياةٍ رغيدة، وأن الخير والصلاح يكمنان فقط في التحرر من مدخلات الماضي وتبني أفكار جديدة، يتم استغلال هذا النوع من إعادة البناء الفكري بشكل مدروس من خلال إقناع الفرد بأنه ضحية لعادات وتقاليد بالية وإنه لم يختر ما هو عليه الآن، وأن الأولى به التحرر من وطأة كل شيء والركون إلى حواسه وإدراكه الخاص فحسب، دون أن يعلم إن هذا الأدراك قد أُعِد بشكلٍ مسبق وتم حشوه في العقل دون إرادة للرفض.

تحت مُسميّات لا حصر لها، من محاضراتٍ توعوية، ندوات تنويرية، جَلسات تأمّل، علاجات طاقية، حوارات، أمسيات، حسابات شخصية لمؤثرين في مواقع التواصل الإجتماعي، مقاطع فيديو قصيرة، ولقاءات حوارية وغيرها كثير... تتغير الأفكار وتنسلخُ عن أصولها، يذهبُ إليها المرء دون أن يدري أو دون وعيِ مسبق حاملاً في يديه كسوةً جديدة يرتديها بعد خلع أسماله القديمة التّي ودون أن يعرف لماذا ومتى، عدّها بالية وباهتة لا تليقُ به ولا تلائم روح العصر، تلك الروح التي أفلحت في تجريد الكثيرين من ثوابت يقينية آمنو بها ونشؤا عليها وتجذرت فيهم، وذلك من خلال ارغامهم بشكلٍ تدريجي على إعادة تقييمهم لذواتهم وأسسهم الفكرية من خلال زرع بذور الشك حول جدوى ما يؤمنون به، مغرقين عقولهم بمقارناتٍ مع أحوال الآخرين وما يؤول إليه حال من يركب موجة الحداثة والتحرر وما يبقى عليه حال من يتشبّث بمعتقداته وأفكاره. وبذكاءٍ بالغ ودراسة مستفيضة عرفت هذه الوسائل بمن تبدأ ومن سيكونُ طيّعاً لإحداث هذه الثورة الفكرية والأنجراف مع التيار.

جاء في وصيةِ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لكُميل بن زياد النخعي: "هَا إِنَّ ها هُنَا لَعِلْماً جَمّاً (وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى صَدره) لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً (11)! بَلَى أَصَبْتُ لَقِناً (12) غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ، مُسْتَعْمِلاً آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا، وَمُسْتَظْهِراً بِنِعَمَ اللهِ عَلَى عِبادِهِ، وَبِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ (13) لاَ بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ (14) يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ.(1)

نجدُ أنها وصيةٌ عابرةٌ للأزمان، تُلامسُ جوهر الإنسان في كل وقت وكل عصر، فما قد قيل قبل أكثر من ألف واربعمائة سنة، يتجسّد بشكل يوميّ الآن في عصرٍ الذكاء الأصطناعي والثورة المعرفية الهائلة وانهدام النُظم المجتمعية. ففي عبارة (يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ) تُختزل أحوال بشر في العصر الحالي، بين خارجٍ عن مبدأ، ومُرتدٍ عن دين، وغافلٍ عن إنسانية، وهادمٍ لقوانين ومتمردٍ على عادات ومتأثرٍ ببريق حياة الميتافيرس (Metaverse) والزيف الذي يغلّف كل ما تتمُ مشاركته في منصات التواصل ومحاولات تغيير الفكر والإطاحة بمنظومة القيم السوية وإبدالها بما يخدمُ مصالح المستفيدين من عملية التلقين الفكري هذه والهيمنة على العقل ليُصبح أداةً طيّعة يسهُل تلغيمها بما يشاء أي طرف منتفع.

يقول الشافعي "إذا كنتَ ذا رأيٍ فكنْ ذا عزيمةٍ فإنّ فسادَ الرأي أن تترددا".. ويأتي السؤال هنا، متى يثبُت الإنسان على رأيٍ، ومتى يكون غرس البذور فيه مُمَهداً لنموٍ سليم وإنطلاقة ثابتة للمستقبل مهما تغيّرت أحداثه وتكالبت عليه الأنظمة والمحاولات لطمس هوية الفكر النيّر الواضح الذي لا يخضع لأي سلطة أو نفوذ؟! حين يكون المبدأ مبنياً على الفهم والإدراك التام والقناعة الشخصية دون إجبارٍ أو طاعة عمياء ومصقولاً بالتهذيب المستمر فإنه يصبح صلداً لا صَدع يمسّه؛ إذ تُربّى الأفكار والمُعتقدات ويُعتنى بها كما الطفل، لا يمكن إهمالها وايقافها عن زمنٍ واحد، بل إنها تنمو وتتطور مع حداثة العصر، فمفهومٍ ما تؤمن به قبل خمس سنوات، يحتاجُ أن تجدد ثباته وتحدّثه كما تحدّث تطبيقات هاتفك كل فترة، على أن يبقى الأساس نفسه، لكن ليتماشى مع (روح العصر) كيلا تقع في حيلة التناقض بين مبدأٌ قديم مغبّر وحداثةٍ متألقة تأسرُ العقل وتُغري البصر.

يقول الله عزّ وجل: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)(2) إذ أن هذا الثبات هو خيرُ ما ينشده المرء من غاية خلقه، وأفضلُ زادٍ يحمله معه لآخرته، به يكون جديراً بعبوديته للخالق وتأدية رسالته كخليفةٍ في أرضه. إن الثبات والاستقامة الفكرية اليوم شأنها شأن الكثير من أنواع الأستقامات الأخرى التي يدأب من خلالها المرء (السوي) في رحلته الوجودية أن يُدرّب نفسهُ عليها ويجعل منها عِماد حياته لكيلا يميل إلى جهة لا يليقُ به الميّل إليها؛ فيحفظ بذلك ماء وجه فطرته السليمة التي جُبل عليها ومعرفة الخالق لهذه الفطرة حين كان ردّه سبحانه على الملائكة بعد أن رأوا إن هذا الخليفة (يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) بـ ( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)(3). فهل نسيرُ اليوم بما يعلمهُ الخالق عنّا أم برأي الملائكة؟! هل بـ (وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) أم بـ (مَا لَا تَعْلَمُونَ)!

(1)            شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٨ - الصفحة ٣٤٦

(2)            سورة إبراهيم: 27

(3)            سورة البقرة :30 


الامام علي
عيد الغدير
التاريخ
الدين
الوعي
الشيعة
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    فن الإقناع في التربية: غرس القناعة أعظم من فرض الطاعة

    قيمة الدمعة في مصاب سيد الشهداء

    عرس الدم

    5 فيتامينات أساسية تساعد على عمل الجسم بشكل صحيح

    الأمان الزائف: نجمة باهتة في سماء الحقيقة

    بين فردانية الثواب وجماعية الوعي... حيث الحسين

    آخر القراءات

    تعرف على فنون الإلقاء في البرامج

    النشر : السبت 19 كانون الأول 2020
    اخر قراءة : منذ 8 ثواني

    وَلايةٌ معهود بها منذ بدء الإسلام

    النشر : الأربعاء 28 تموز 2021
    اخر قراءة : منذ 14 ثانية

    انتحار فكري

    النشر : الخميس 03 آب 2017
    اخر قراءة : منذ 18 ثانية

    عيد فطر استثنائي في ظل جائحة كورونا

    النشر : الأربعاء 27 آيار 2020
    اخر قراءة : منذ 21 ثانية

    الغدير.. عيد أهل الايمان

    النشر : الثلاثاء 20 آب 2019
    اخر قراءة : منذ 26 ثانية

    ماذا تعلم عن مرض بومبي؟

    النشر : السبت 14 آيار 2022
    اخر قراءة : منذ 26 ثانية

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    كربلاء في شهر الحسين: رحلة في عمق الإيمان وصدى الفاجعة

    • 866 مشاهدات

    كيف أجعل حب الامام الحسين مشروعًا دائمًا؟

    • 485 مشاهدات

    في رحاب محرم: طلب الإصلاح على خطى سبط الرسول

    • 465 مشاهدات

    الميثاق الذي لم يُكتب: عبد الله الرضيع وولادة قانون الطفولة

    • 434 مشاهدات

    7 أخطاء قاتلة يرتكبها كل رائد أعمال في البداية.. هل تقع فيها أنت؟

    • 379 مشاهدات

    صراع الروح وتجلّي الحق

    • 353 مشاهدات

    مأساة مسلم بن عقيل: الغريب الوحيد في كربلاء ودروسٌ للشباب

    • 1273 مشاهدات

    الخلود في زمن التفاهة: كيف ينتصر علم الإمام علي على مادية العصر

    • 1126 مشاهدات

    كربلاء في شهر الحسين: رحلة في عمق الإيمان وصدى الفاجعة

    • 866 مشاهدات

    هذا هو الغدير الحقيقي

    • 687 مشاهدات

    لمن تشتكي حبة القمح إذا كان القاضي دجاجة؟

    • 668 مشاهدات

    مدينة الانتظار: تُجدد البيعة والولاء في عيد الله الأكبر

    • 648 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    فن الإقناع في التربية: غرس القناعة أعظم من فرض الطاعة
    • منذ 11 ساعة
    قيمة الدمعة في مصاب سيد الشهداء
    • منذ 12 ساعة
    عرس الدم
    • منذ 12 ساعة
    5 فيتامينات أساسية تساعد على عمل الجسم بشكل صحيح
    • منذ 12 ساعة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة