يعتبر المنزل الذي ينشأ فيه الطفل الأمان الوحيد له خلال مرحلة الطفولة وينشأ هذا الأمان من انسجام الأم والأب لكن في بعض الأحيان انُه مهما كانت مستويات الحب والانسجام بين الزوجين مرتفعة، سنجد أنه لا يوجد بيت في العالم يخلو من الخلافات الزوجية بل والمشادات أحيانًا. لكن حينما يتحول الشِجار إلى طقس طبيعي يمارسه الأب والأم، وتحدث المشاكل الزوجية أمام الأطفال دون مراعاة للآثار السلبية المدمرة له على نفسية الصغار، ينبغي أن ندق جميع أجراس الخطر والإنذار. إن الأطفال ينتبهون بشدة إلى كل ما يخص مشاعر الوالدين لأنهم مصدر شعوره بالأمان داخل الأسرة. وعليه فإنه حينما تكثر المشكلات الزوجية بين الآباء والأمهات وتصبح مشاعرهما سلبية ومدمَرة دائمًا، يقع ضرر مباشر على الأبناء قد يدوم مدى الحياة.
تأثير الخلافات الزوجية على نشأة الطفل
في معظم الحالات، تكون للخلافات الزوجية آثار سلبية قليلة أو معدومة على الأطفال. ولكن عندما يصرخ الوالدان في بعضهما أو يغضبان من بعضهما البعض ويتخاصمان، يمكن أن تنشأ المشكلات التي تهدد سلامة الطفل.
وتشير الأبحاث وفقاً لموقع Web MD الصحي، إلى أنه منذ سن 6 أشهر، يمكن أن يتسبب تأثير الخلافات الزوجية على الطفل في تغيير معدل ضربات قلبه، أو زيادة استجابة جسمه لهرمونات التوتر خلال حياته.
ويمكن أن تظهر على الرضع والأطفال والمراهقين علامات اضطراب في نمو الدماغ واضطرابات في النوم، كما قد يعانون من القلق والاكتئاب واضطرابات سلوكية وغيرها من المشكلات الخطيرة نتيجة التعايش مع الخلافات الزوجية لوالديهم.
ومن تبعات الخلافات الزوجية على الطفل، وفقاً لموقع Very Well Family التربوي، ما يلي:
1- يمكن أن تسبب عدم الأمان. تقوّض الخلافات الزوجية شعور الأطفال بالأمان حيال استقرار الأسرة. ويشعر الأطفال الذين يتعرضون لكثير من الخلافات بين والديهم بالقلق من الطلاق أو يتساءلون متى سينتهي خصام الوالدين. ويمكن أن يكون من الصعب عليهم الشعور بالأريحية في حياتهم الطبيعية مع أسرتهم، لأن المشاجرات قد تكون مفاجئة وغير متوقعة.
2- يمكن أن يؤثر الأمر على العلاقة بين الوالدين والطفل. تعتبر حالات الصراع الشديد مرهقة للآباء أيضاً. والوالد المرهق قد لا يقضي كثيراً من الوقت مع أطفاله ويرعاهم كما ينبغي. وإضافة إلى ذلك، قد تتأثر جودة العلاقة، حيث قد يكون من الصعب على الوالدين إظهار الدفء والمودة عندما يكونان غاضبين ومتضايقين من بعضهما البعض.
3- بيئة مرهقة وغير ملائمة لنمو الطفل. سماع المشاحنات والجدال المتكرر أو الحاد والجارح أمر مرهق للأطفال. ويمكن أن يؤثر هذا الإجهاد على صحتهم الجسدية والنفسية بشكل يتعارض مع وتيرة نموهم الطبيعية والصحية.
تأثير نفسي عميق على المدى البعيد
عام 2012، نُشرت دراسة بمجلة Child Development بحثت في تأثير الخلافات الزوجية على الطفل، من سن رياض الأطفال وحتى مرحلة المراهقة المبكرة في سن 12 و13 عاماً.
وبعد متابعة الآباء والأطفال لسبع سنوات متواصلة، كان أطفال رياض الأطفال الذين انخرط آباؤهم في الخلافات الزوجية بشكل متكرر، أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق والمشكلات السلوكية بحلول الوقت الذي وصلوا فيه إلى سن المراهقة.
وهذه ليست القضايا الوحيدة التي من المحتمل أن يواجهها الأطفال عندما يتشاجر آباؤهم كثيراً. فيما يلي بعض الأشياء التي وجدها الباحثون عند دراسة الآثار التي يمكن أن تُحدثها الخلافات الزوجية، على الطفل:
1- انخفاض التحصيل المعرفي
وجدت الدراسة أن التوتر المرتبط بالعيش في منزل متكررةٌ فيه الصراعات بين الوالدين قد يُضعف الأداء والتحصيل المعرفي للطفل. ووجد الباحثون أنه عندما يتشاجر الآباء كثيراً، يواجه الأطفال صعوبة أكبر في تنظيم انتباههم وعواطفهم.
كما عطّلت الخلافات الزوجية قدرة الأطفال على حل المشكلات بسرعة ورؤية الأنماط وفهم المعلومات الجديدة وسرعة الانتباه، بحسب Webmd.
وفي الوقت نفسه، وجدت الدراسة أيضاً أن العيش في أسرة متكررة الخلافات يزيد من احتمالات الفشل الدراسي والحصول على درجات متدنية.
2- تفشيل قدرة الطفل في بناء العلاقات
من أبرز تأثيرات الخلافات الزوجية على الطفل، اعتياده نمط السلوك العنيف والتشاحُن والشجار؛ ومن ثم يتصرف بعدائية وعنف مع أقرانه.
ومن الشائع أن يبدأ الأطفال في حل خلافاتهم مع أشقائهم وأصدقائهم بالتكتيكات نفسها التي شاهدوا آباءهم يستخدمونها فيما بينهم.
وقد يكافح الأطفال أيضاً للحفاظ على علاقات صحية عندما يكبرون إذا ما كانوا قد اعتادوا وجود الخلافات الأسرية، وقد يواجهون صعوبة في تحديد من يمكنهم الوثوق به حقاً في الحياة، ويعانون من مشكلات الثقة بالآخرين.
3- المشاكل السلوكية
غالباً ما يتم ربط تأثير الخلافات الزوجية على الطفل بميله إلى العدوانية والعنف والمشاكل السلوكية المختلفة. إضافة إلى ذلك، من المرجح أن يعاني الأطفال من مشاكل اجتماعية وصعوبة متزايدة في التكيف مع المدرسة سواء مع أقرانه الطلاب أو مع معلميه.
4- اضطرابات الأكل ومشكلات الجسم
ربطت العديد من الدراسات العلمية وجود اضطرابات الأكل، مثل فقدان الشهية والشَّرَه المرَضي أو البوليميا، بالخلافات الأبوية والمشكلات الأسرية المتكررة.
كما ثبت أن الأطفال الذين ينشأون في أسرة غير مستقرة يعانون أكثر من غيرهم من مشكلات المعدة والصداع وصعوبات النوم.
5- التدخين والإدمان
وجد الباحثون وفقاً لموقع Very Well Family، أن العيش في منزل به مستويات عالية من الخلافات يزيد من احتمال ميل الأطفال إلى التدخين المبكر، والإفراط في شرب المواد الكحولية، وتعاطي المخدرات، مقارنة بالأطفال الذين ينشأون في أسرة من أبوين متفاهمين.
6- الاكتئاب والنظرة السلبية للحياة
من المرجح أن يكون لدى الأطفال الذين نشأوا في منازل متكررة الخلافات والمشاكل، وجهات نظر سلبية عن علاقاتهم الأسرية وقيمة الأمور في الحياة بشكل عام.
ومن تبعات الخلافات الزوجية على الطفل أن ينشأ بنظرة أكثر سلبية تجاه نفسه. ووجدت دراسة نُشرت عام 2012، أن الأطفال المعرضين للخلافات الأسرية والمشكلات بين الوالدين أكثر عرضة لانخفاض احترام الذات، ويمكنهم أن يطوروا اضطرابات نفسية متعلقة بالصورة الذاتية خلال حياتهم.
الحد من آثار الخلافات والمشاكل الزوجية على الأبناء
الخلافات الزوجية وبدرجاتها المختلفة أمر طبيعي وشائع الحدوث بين الكثير من الأزواج على اختلاف المجتمعات والثقافات والطبقات الاجتماعية، ولكن ما لا يجب أن يكون طبيعي هو انعكاس هذه الآثار سلباً على الأطفال الذين لا ذنب لهم بها، ولتفادي هذا التأثير يجب على الوالدين:
حل الخلافات بعيداً عن الأطفال: فلا يجب على الأبوين تسوية خلافاتهما أو الشجار أمام أبنائهم فهم لا يعرفون في لحظات الغضب ما قد يخرج عنهما من تصرفات أو ألفاظ تلاحظ من قبل الأطفال وتؤثر على نفسيتهم أو سلوكهم، ويتحقق ذلك من خلال تأجيل النقاش بهذه المشاكل حتى يكون الأطفال بعيدين أو على الأقل في غرفة الوالدين الخاصة.
التصرف بوعي لحل الخلافات: ليست كل الخلافات تستحق الغضب والخروج عن الطور في علاجها أو طرحها ومناقشتها، فهذا الأسلوب لا يجلب إلا مثيله ويفترض من الزوجين الذين يملكان أطفال أن يعوا هذه المسألة ويتصرفوا بحكمة منعاً لتأثيرها سلباً على أطفالهم من جهة وتقديم نموذج حضاري عن العلاقة الزوجية لتعلمها من قبل الأطفال من جهة أخرى.
عدم السماح للخلافات أن تؤثر على حاجات الأطفال الأساسية: فالأطفال نعمة يحلم بها الكثيرون من الأزواج ويجب التعامل معها برفق وباهتمام، والوعي بأن الخلافات تسبب جو متوتر في المنزل وتسبب إهمال تربوي أو رعاية للأطفال، ويجب على الوالدين هنا التركيز أكثر على حاجات الأطفال ورعايتها وخاصة فيما يتعلق بالمسائل التربوية والدراسية والصحية مهما كان عمق الخلاف بينهما.
عدم ادخال الأطفال في مشاكل الوالدين: في بعض الأحيان قد يلجأ أحد الأزواج أو كليها بشكل غير واعٍ إلى تحريض الأطفال على الآخر وتشويه صورته أمامه وخاصة في حالات الانفصال وهذه مسألة لها تأثير خطير جداً على شخصية الطفل ونظرته لوالديه ويجب الحذر منها وتجنبها.
الانفصال عندما يكون أفضل: في بعض الأحيان قد يصل الزوجين ولأسباب عديدة إلى مرحلة من الخلاف لا يمكنهما بعدها الرجوع إلى الخلف أو إيجاد حلول للمشاكل، وفي مثل هذه الحالات يعتبر الانفصال بالمعروف أفضل من البقاء بحالة توتر وخلافات ومشاكل دائمة بطريقة تؤذي الأطفال.
لتفادي تأثير الخلافات بين الزوجين أمام الأطفال، نوصي الأهل بتعليم أطفالهما أن الخلاف العائلي أمر بنّاء وليس أمرًا مدمِّرًا وهو غالبًا ما يهدف لوضع حلول عملية وإيجابية في مواجهة المشاكل الأسرية. كما أهمية الحرص على محاورة الأبناء بهدوء وتفهم، بعيدًا عن الغضب ومشاعر التحدّي، بهدف إعطاء صورة إيجابية حول مفاهيم إدارة الخلاف والتحاور والوصول إلى حلول ترضي الجميع.
من جهة أخرى يُنصح بتجنّب انتقاد أحد الزوجين للآخر على أسلوبه في التربية أو اتخاذ القرار أمام الأولاد واتهام كل واحد للآخر. فالأبناء بحاجة دائمة لبناء صورةٍ داخليّة «إيماغو » عن أهلهم تكون مصدر طمأنينة لهم في رحلة عمرهم. لذا يبقى على الأهل الحرص على المساهمة في رسم هذه «الإيماغو» بكلّ إيجابيّة، مهما اشتدّت المناكفات في ما بينهما، كثنائي مسؤول عن سلوكه أمام الأبناء كونهم بحاجة إلى المثل الحيّ كي يتشبّهوا به فيكبرون.
وبطبيعة الحال لن تخلو الحياة من الخلافات الزوجية، لكن من المهم أن يعي الآباء والأمهات أنه عند نشوب المشاكل الزوجية أمام الأطفال، ينبغي عليهم معالجتها بهدوء ودون انفعال وعدم التوقف عندها، لكي لا تؤثر على الأبناء بشكل كارثي قد يبقى معهم طوال حياتهم.
اضافةتعليق
التعليقات