إما أن يغوص المرء بداخل قوقعته أو يكون مفاوضا جيدا ليصل لغاياته المنشودة فمن يتقن هذه المهارة يصل للقمة بيسر، فهيتعد من أهم ركائز النجاح، والتفاوض أو كما يسمى(بعلم التفاوض) هو المبني على الفكرة والأسلوب الذي ينتهي بـ(أنا اكسب وأنت تكسب) أي معرفة وتحديد المكاسب المتبادلة، وكثيرا ما نلجأ للتفاوض في حياتنا اليومية حول أمور بالغة الأهمية أو أدنى منها، فكيف نكون مفاوضين جيدين وما هي شروط المفاوض الناجح.
یذكر لنا الدكتور حسن محمد وجیه في كتابه (مقدمة في علم التفاوض الاجتماعي والسیاسي) كيف انطلقت فكرة الكاتبان روجر فيشر ووليام أري لتأليف كتابهما (التفاوض من أجل إبرام الاتفاقيات) حيث بدأت الفكرة من سؤال بسيط وهو (ما أفضل الطرق التي يمكن من خلالها معالجة الاختلافـات الـتـي تـنـشـأ بـين الناس)؟. وهذا يتمثل على سبيل المثال في أسئلة أخرى مثل: ما أفضل نصيحة يمكن أن نقدمها لزوج وزوجة يقدمان على الطلاق؟. ويريدان أن يعرفا كيف يصلان إلى اتفاق متبادل مرض ٍللطرفين؟. وذلك دون أن ينتهيا إلى الإقدام على حرب مستمرة ومريرة فيما بينهما، وما ينطبق على حالة الزوج ينطبق على كافة سياقات الحياة. والسؤال المطروح هو كيف نصل إلى اتفاق دون حرب أو نزاع مرير؟!.
إن الصراع والتناحر يبدوان وكأنهما صناعة آخذة في النمو في عالمنا اليوم فالأطراف المتناحرة تريد دائما أن تأخذ قرارات مشتركة وتؤثر في عملية صنع القرار والغالبية ترفض أن تملى عليها القرارات والخطوات، ولكن الطرق التقليديـة التي اعتاد الناس على انتهاجها وتوظيفها في تفـاوضـهـم فـي كـافـة شـؤون الحياة عادة ما تؤدي إلى الوصول إلى حالات من عدم الـرضـا والحـزن أو الإنهاك واستنزاف الطاقات بلا طائل أو الشعور بالغربة في هـذا الـعـالـم، وعادة ما تكون النتيجة كل هذه الحالات مجتمعة. وهنا يجد الناس أنفسهم في مأزق فيرون وجود طريقتين رئيسيتين فقط على حد وصف الـكـاتـبـين وهما (التفاوض بتوظيف استراتيجيات لينة أو متساهلـة) أو (التفاوض بتوظيف استراتيجيات متشددة أو عدوانية).
وفي حالة (التفاوض اللين) يحاول المفاوض تجنب الصراع الشخصي، ومن ثم يقدم تنازلات سريعة للوصول إلى الاتفاق وإنهاء الموقف التفاوضي خاصة إذا صاحبه نوع من التوتر. وهو هنا يريد حلا وديا، ولكن ماذا يحدث لمثل هذه النوعية من المفاوضين؟ ينتهي به الأمر بأن يشعر بأنه قد تم استغلاله، ومن ثم يشعر بالمرارة لفترة طويلة. أما النوعية الأخرى من المفاوضين، وهم المتشددون فيرون في أي موقف تفاوض فرصة للتصارع مع إرادات ورغبات الآخرين ومن هنا يتبنون أكثر المواقف تشـددا.. وهـم يـريـدون أن يـكـسـبـوا جولة التفاوض، ولكن هذا الموقف لا يتحقق لهم في كل الأحوال، وعادة ما ينتهي بهم الأمر إلى استهلاك طاقاتهم وأموالهـم، وعـادة مـا يتسبب المتشددون المندفعون لتحقيق مكسب سريع علـى حـسـاب الآخـريـن إلى أن يدمروا العلاقات الإستراتيجية مع الآخرين من الخـصـوم. وبـذلـك تكون خسائرهم على المدى الطويل كبيرة. وهناك نوعية ثالثة من المتفاوضين تقع إستراتيجيتهم بين نوعي التفاوض (اللين) و(المتشدد) وهذه النوعية هي النوعية التي تريد أن توازن بين الحصول على ما تريد وبين الحفاظ على حد أدنى من العلاقات مع الطرف الآخر.
وهذه الطريقة التفاوضية الثالثة التي تقع بين (التشدد) و(اللـين) هـي مـا يـقـدمـه لـنـا الـكـاتـبـان تحـت تـعـبـيـر إستراتيجيات التفاوض المبدئي (ومنطلقه هو التقييم الموضوعي لقضايا التفاوض الحقيقية التي تبتعد كل البعد عن (تصيد) ما يقوله طرف ما. والهدف من هذا المنطلق الموضوعي هو النظر إلى أفضل المكاسب الممكنة لكل من الطرفين وتحديد نقاط تصارع المصالح، وهـنـا لابد من الإصرار على أن تكون النتائج مبنية على مـعـايـيـر عـادلـة ومـتـسـقـة وبعيدة عن رغبات وإرادة أي من الجانبين وبالتالي فإن الطريقة التي يركز عليها الكاتبان على مدى فصول كتابهما هي التركيز على القضايـا بـشـكـل مكثف ومركز وانتهاج وتبني صفة اللين وعدم النيل من الأشخـاص، ولـكـي تنجح مثل هذه الطريقة في تحقيق أفضل النتائج الممـكـنـة فـلا بـد أن يـتـم تأمين عملية التفاوض من أي خداع، كذلك لا بد من التأكد من عدم استغلال موقف النزاهة والعدالة لأحد الأطراف من قبل الآخر.
وهذه الخطوات الرئيسية التي ينبغي على كل من أطراف النزاع، وكـذلـك الـوسـطـاء المـعـنـيـون بـحـل النزاع أن يتعرفوا عليها جيدا وهي كالآتي:
القاعدة الأولى: لا تفاوض من أجل تبرير المواقف كهدف للتفاوض: ففي حالة أي نزاع سواء كان نزاعا وخلافا عائليا، أو على عـقـد مـا، أو على اتفاقية سلام، فإنه ليس من الصالح أن يقوم كل طرف بتبرير موقفه. واستحضار الحجج والبراهين لإثبات مشروعية مـوقـفـه فـقـط، أي أنـه أن المتعين على كل طرف أن يتجنب تبني موقف مفاده (أنا المصيب على طول الخط، وهو المخطئ أيضا على طول الخط)، فمثل هذا الأداء التفاوضي لن يؤدي عادة إلى الوصول إلى حل النزاع بل سيزيد من تفاقمه، ومن ثم فلا بد أن تنتقل الأطراف من هذا الوضع إلى معالجة القضايا بقدر من النزاهة والعدالة وحرص على وجود جسور للتفاهم.
إذن فكلما دافعت عن موقفك لمجرد الدفاع عنه أصبحت معرضا بصورة كبيرة لـلـتـورط فـي الـدفـاع عـن أوضاع خاطئة وغير نزيهة، وما يزيد من سوء استخدام هذه الإستراتيجية (إستراتيجية الدفاع عن الموقف فقط) أن يكون النزاع بين أكثر من طرف.
هل تنتهج أسلوب اللين خاصة مع أفراد عائلتك حينما ينشب الخلاف؟
تفيد عملية تحليل أقرب التفاعلات التي تتداخل فيها مع أعضاء الأسرة نفسها بأنه إذا أراد طرف أن يوظف إستراتيجية اللين للحفاظ على العلاقة على حين يوظف الطرف الآخر إستراتيجية التشدد الحادة بل والعدوانيـة.
أحيانا، فإن الطرف الذي يوظف اللين عادة ما يدفع الثمن غاليا في نهاية المطاف، ومن ثم لا ينصح بانتهاج إستراتيجية المواقـف والـدفـاع عـنـهـا مـن ناحية أو تبني إستراتيجية اللين والتساهل عندما لا يطبقها الطرف الآخر من الناحية الأخرى.
القاعدة الثانية ترتيب خطوات طريقة التفاوض ويتمثل الأمر هنا في الخطوات التالية:
جاهد لأن تفصل الناس عن المشكلة ولو لحين على الرغم مـن أن هـذا الأمر ليس من السهل فإن من الحتمي محاولته من أجل تحري الموضوعية قدر الإمكان.. وهنا عليك ألا تستنتج نوايـا الآخـريـن بـنـاءً عـلـى مـخـاوفـك فقط، فهذا قد يضللك عن جادة الصواب فـيـمـا يـتـعـلـق بـالـنـوايـا الـفـعـلـيـة والحقيقية.
- لا تلم الآخرين على مشاكلك، فهذا أمر سهل دائما.
- حاول أن تستبين فهم الآخرين للمشكلة، والزوايـا الـتـي يـنـظـرون مـن خلالها للأمر.
- حاول أن تبحث عن فرص لتؤكد لهم خلاف ما يتصورونه عنك وعن المشكلة.
- حاول أن تعطي الطرف الآخـر مـا يمـكـنـه مـن حـفـظ مـاء الوجه، فلا يكون متحينا لرد الاعتبار في أول فرصة تتاح له بسبب فقدان تصرفاتك لهذا الأمر. كذلك حاول أن تجعل مقترحاتك متماشية إلى قدر ما تستطيع مع قيم ومفاهيم الآخرين المقبولة كلما أمكن ذلك.
- حاول أن تسمح للطرف الآخر بتفريغ شحنته العاطفية قدر الإمكان، فهذا التفريغ مهم لحالته النفسـيـة واسـتـقـرارهـا وتجـنـب قـدر الإمـكـان أن يكون لك رد فعل أثناء تفريغ هذه الشحنة.
- حاول انتهاز أي فرصة لإرسال رسالة طيبة رغم صعوبة ذلك،فـهـذا قد يعني إشارة بحسن النية يكون لها أثر طيب لا تكلفك شيئا ولكنـهـا قـد تكون حيوية للابتعاد عن الكراهية والتناحر.
القاعدة الثالثة: ركز على المصالح وليس على المواقف: عليك ومن أجل الوصول إلى الحل المتعقل أن تقوم بعملية توفيق بين المصالح وليس المواقف، واعلم أن المواقف المتناحرة تستند إلى أمور خلافية، ولكن هناك أمور مشتركة لا بد من السعي لاسـتـكـشـافـهـا وتحـديـدهـا فـي المقام الأول. وعليك أن تقوم بتوسيع دائرة الاختيارات المتاحة للتعرف على أنسبهـا لكل من الطرفين.
اضافةتعليق
التعليقات