ولد الكون قبل ما يناهز 13.8 مليار سنة بالتزامن مع الوقت الذي ما يزال يرافقه إلى يومنا هذا ليشهد خلق المجرات وتوسع الفضاء. ولكن عندما يتعلق الأمر بمقارنة الوقت، يصبح من الرهيب أن ندرك ضآلة الكم الذي شهدناه بالفعل.
قد يكون عمر الأرض 4.5 مليار سنة. لكن عمَّر البشر الحديثون الكوكب 300.000 سنة، وذلك ما يمثّل نسبة 0.002% فقط من عمر الكون. هل بدأتم تشعرون بالصغر وانعدام الأهمية؟ لا تقلقوا فسيزداد الأمر سوءًا. إذ يمثِّل ما عشناه على الأرض حيزًا زمنيًا ضئيلًا بنحو لا يُذكر أصلًا من الناحية الفلكية.
فشُيدت الحضارات وهُدمت، وتكوَّنت النجوم وانطفأت، وبقيت طريقتنا الوحيدة في تتبع كل حدث في الكون وعلى الأرض متمثِّلة في مقارنة اليوم الحالي بالزمن الماضي على نحو منتظم. ولكن هل الوقت حقًا ثابت؟ هل هو ببساطة التحرّك من ثانية لأخرى؟
في القرن السابع عشر، صور الفيزيائي إسحاق نيوتن الوقت على أنه سهم ينطلق من القوس ويسافر في خط مستقيم مباشر لا ينحرف أبدًا عن مساره. بالنسبة إلى نيوتن، يمتلك كل من كوكب الأرض والمريخ والمشتري نفس طول الثانية الواحدة وينطبق الأمر كذلك على الفضاء العميق.
كان يعتقد أن الحركة المطلقة لا يمكن رصدها، ما يعني أن لا شيء في الكون لديه سرعة ثابتة ويشمل ذلك الضوء أيضًا. أتاح له تطبيق هذه النظرية المجال لافتراض أنه إذا كانت سرعة الضوء يمكن أن تختلف فلا بد أنَّ الوقت ثابت.
في الوقت يجب أن تمر الثانية إلى الأخرى دون رصد أيّ فارق في الطول بين الثانيتين. هذا شيء من السهل التسليم بمصداقيته خاصة وأن كل يوم يمتلك ما يناهز 24 ساعة؛ فأنت لا تجد يومًا واحدًا ذا 26 ساعة وآخر ذا 23 ساعة.
ولكن في سنة 1905، أكَّد آلبرت آينشتاين أن سرعة الضوء لا تختلف، بل هي ثابتة، إذ تتنقَّل بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية تقريبًا. وقد افترض أن الوقت أشبه بنهر ينحسر ويتدفق تحت تأثير الجاذبية والزمكان. يمكن للزمن أن يسرع حول الأجسام الكونية ذات الكتل والسرعات المختلفة أو يتباطأ، لذلك لم يكن لثانية واحدة على الأرض نفس طول الوقت في كل مكان في الكون.
وهذا يطرح مشكلة. فإذا كانت سرعة الضوء حقًا ثابتة، يجب أن توجد بعض المتغيرات التي تتبدَّل عبر مسافات كبيرة في أنحاء الكون بالتوازي مع توسعه وتحرك الكواكب والمجرات ضمن نطاق عملاق، كان يجب على شيء أن يسمح لهذه التقلبات الصغيرة بالحدوث، وكان على هذا المتغير أن يكون الوقت.
في نهاية المطاف انتصرت نظرية آينشتاين التي لم يكن يعتقد فقط أنها الحقيقة، بل ثبُت أيضا أنها دقيقة بالكامل.
في أكتوبر 1971، أثبت الفيزيائيان جي سي هافيلي وريتشارد كيتينغ صحتها. وليثبتا ذلك، أرسلا أربع ساعات سيزيوم ذرية على طائرات لتحلق حول العالم، شرقًا ثم غربًا.
وفقًا لنظرية آينشتاين، عند مقارنة هذه الأخيرة بالساعات الذرية الأرضية بالمرصد البحري الأمريكي في العاصمة واشنطن، ستكون ساعات هافيلي وكيتينغ المحمولة جوًا أبطأ بنحو 59 نانو ثانية بعد رحلتهم شرقًا وبنحو 273 نانو ثانية أسرع بعد السفر غربًا وفقًا لدراسة صادرة سنة 1972 في مجلة العلوم. ويرجع ذلك إلى آثار جاذبية الأرض على سرعة الطائرات. وبنحو لا يصدق، سجلت الساعات بالفعل اختلافًا عندما قورنت بالمرصد البحري الأمريكي. هذا أثبت أن آينشتاين كان مصيبًا، على وجه التخصيص في نظريته القائلة بتمدد الوقت، وهذا الوقت بالفعل قد تقلَّب في جميع أنحاء الكون.
ماذا يحدث خلال تمدد الوقت؟
اتفق كل من آينشتاين ونيوتن على شيء واحد يتمثل في مضي الوقت إلى الأمام. رغم ذلك لا يوجد دليل إلى هذه اللحظة على أي شيء في الكون قادر على تفادي الوقت والتحرك للأمام والخلف بحرية. كل شيء يتحرك في نهاية المطاف إلى الأمام في الوقت المناسب، سواء كان ذلك بوتيرة منتظمة أو مشوشة قليلًا إذا اقتربت من سرعة الضوء.
لكن لماذا الوقت يمضي للأمام؟
لم يتوصل العلماء بعد إلى نتيجة، لكنهم قد طرحوا عدة نظريات لتفسير برمجة الزمن أحادي المسار. ومثال على هذه النظريات نذكر تلك المرتكزة على قوانين الديناميكا الحرارية، وتحديدًا القانون الثاني الذي ينصّ على أن كل شيء في الكون يريد أن ينتقل من إنتروبيا منخفضة إلى أخرى عالية، أو من التوحيد إلى اضطراب، بدءًا من البساطة في الانفجار العظيم وصولًا إلى الانتقال إلى ترتيب شبه عشوائي من المجرات وسكانها في الوقت الحاضر.
يُعرف هذا باسم «سهم الزمن». أفاد الفيلسوف المحلل هو برايس في جلسة بوانكاري سنة 2006 بأن هذا المصطلح قد صاغه على الأرجح عالم الفلك البريطاني آرثر إدنغتون سنة 1928.
اقترح إدنغتون أن الوقت لم يكن متماثلًا وقد أورد في مؤلَّفه «طبيعة العالم المادي» سنة 1928 ما مفاده: «إذا كنا باتباعنا للسهم نجد المزيد والمزيد من العنصر العشوائي في العالم، فإن السهم يشير إلى المستقبل؛ إذا انخفض العنصر العشوائي، يشير السهم نحو الماضي» على سبيل المثال، إذا شاهدتم انفجار نجمة لتُحال سديمًا متناثرًا، ستعلمون أن الوقت قد انتقل إلى الأمام من الاتساق إلى الفوضى.
وتقترح نظرية أخرى أن مرور الزمن يرجع إلى تمدُّد الكون. فيُسحب الوقت بالتوازي مع توسُّع الكون، مع ارتباط المكان والزمان ببعضهما؛ ولكن هذا يعني أنه إذا كان بإمكان الكون أن يصل إلى حد نظري للتوسع وأن يبدأ في الانكماش، فإن الزمن سوف ينعكس، وهي مفارقة طفيفة للعلماء والفلكيين. هل سيتراجع الوقت حقًا، مع عودة كل شيء إلى عصر البساطة والانتهاء مع أزمة كبيرة؟ من غير المحتمل أن نشهد حدوث ذلك بأنفسنا لنكتشف النتيجة، لكن العلماء يمكنهم افتراض ما قد يحدث.
إنه لمن المذهل أن نفكر في التقدم الذي أحرزته البشرية فيما يتعلق بفهمنا للزمن خلال القرن الماضي. بدءًا بساعات الشمس القديمة وصولًا إلى الساعات الذرية الحديثة، يمكننا حتى تتبع مرور الثانية أقرب من أي وقت مضى. ويظل الوقت موضوعًا معقدًا، ولكن بفضل الرؤى العلمية، أمسينا نقترب من اكتشاف أسرار هذا الثابت العالمي غير الدائم.
الزمن: البعد الرابع للكون
كان يُعتقد قديمًا أن المكان والزمان منفصلان، وأن الكون مجرد مجموعة من الأجسام الكونية المرتبة ضمن أبعاد ثلاثة. ومع ذلك، قدم آينشتاين مفهوم البعد الرابع -الزمن- الذي عنى أن المكان والزمان مترابطان دون انفصال. وتشير النظرية العامة للنسبية إلى أن الفضاء والزمان يتسعان ويتعاقدان تبعًا لزخم المادة القريبة وكتلتها. كانت النظرية سليمة، ولكن كل ما كان مطلوبًا هو الإثبات.
وورد ذلك الدليل بفضل مسبار الجاذبية B التابع لناسا، الذي أثبت أن المكان والزمان مرتبطان بالفعل. إذ أطلقت ناسا أربعة جيروسكوبات في اتجاه نجم بعيد لتختبر ذلك، فإذا لم يكن للجاذبية تأثير في المكان والزمان، فإنها ستظل محبوسة في نفس الموقع؛ لاحظ العلماء بوضوح تأثير «جر الإطار» بسبب الجاذبية الأرضية، ما يعني أن الجيروسكوبات قد سُحبت قليلًا من الموقع. ويبدو أن هذا يثبت أن نسيج الفضاء نفسه يمكن تغييره، وإذا كان المكان والزمان مرتبطين ببعضهما فإن الزمن نفسه يمكن أن يتمدد وينكمش بفعل الجاذبية.
كم تبلغ مدة الثانية؟
توجد طريقتان رئيسيتان لقياس الوقت: الوقت الديناميكي والوقت الذري. يعتمد الأول على حركة الأجرام السماوية، بما في ذلك الأرض، لتتبع الزمن، سواء كان وقت دوران نجم بعيد كالبلسار أو حركة نجم عبر سمائنا الليلية، أو حتى دوران الأرض. رغم ذلك، فإن نجم الدوران غير صامد ما يجعل ملاحظته صعبة، وهذه الطرق ليست دائما دقيقة.
يستند التعريف القديم للثانية على دوران الأرض بما أن الشمس تستغرق يوما ما لترتفع في الشرق وتهبط في الغرب وترتفع مرة أخرى، قُسم اليوم اعتباطيًا إلى 24 ساعة والساعة إلى 60 دقيقة والدقيقة إلى 60 ثانية. ومع ذلك، فالأرض لا تدور بثبات. ويتناقص دورانها بمعدل 30 ثانية كل 10000 سنة بسبب عوامل مثل الاحتكاك المدي. وقد ابتكر العلماء طرقًا لحساب سرعة دوران الأرض المتغيرة، فأدخلوا ثوان كبيسة ولكن لتحقيق وقت أكثر دقة يجب أن نبحث عن وحدة أصغر.
ذكرت مُنظَّمة Science American: «يعتمد الزمن الذري على انتقال الطاقة داخل ذرة من عنصر معين، عادة السيزيوم. بتعريف الثانية باستخدام عدد هذه التحولات، يمكن قياس الوقت بدقة فقدان جزء صغير من الثانية في مليون سنة. وتُعرَّف الثانية الآن كعدد 9.192.631.770 من العمليَّات الانتقالية داخل ذرة السيزيوم».
الساعات الذرية: أدق طريقة لتعقب الوقت
من المحتمل أن تكون نجمة دوارة مثل البولسار الساعة الأكثر دقة في الكون، لكن تتيح الساعات الذرية على الأرض أدق مسار للوقت. ويستخدم نظام GPS بأكمله في المدار حول الأرض الساعات الذرية لتتبع المواقع بدقة ونقل البيانات إلى الكوكب، في حين تُنشأ مراكز علمية كاملة لحساب أدق مقياس للزمن، عادة من طريق قياس التحولات داخل ذرة السيزيوم.
بينما تعتمد معظم الساعات الذرية على المجالات المغناطيسية، تستخدم الساعات الحديثة الليزر لتتتبَّع تحولات الطاقة داخل ذرات السيزيوم وتكشفها وتحافظ على مقياس أكثر تحديدًا للوقت. وعلى الرغم من أن ساعات السيزيوم تستخدم حاليًا للحفاظ على الوقت في جميع أنحاء العالم، فإن ساعات السترونتيوم تبشر بتقديم دقة مضاعفة، في حين يمكن أن يقلل التصميم التجريبي القائم على ذرات الزئبق المشحونة من التباينات إلى أقل من ثانية فقدت أو اكتسبت في 400 مليون سنة.
اضافةتعليق
التعليقات