في غياهب الليل تتصارع النجوم مع مواقعها، ويتلوى الهواء في محاوره، يقف اليتم متكئا على جدار اليتامى ينتظر زائرهم الدائم.. وبينما هو كذلك أقبل من كان ينتظره.. تلوح في البعيد صورته.. عبائته يداعبها الهواء.. الارض تهتز لخطواته.. تعزف قوة وحنانا..
رفع رأسه يتزود من معشوقه وأبيه الذين اقترن اسمه بهم، نظر إليه.. انه امامه لكن بنظرة أخرى.. فمن كثر ما يتبعه عندما يطوف عليهم عرف ذلك البريق في عينيه.. ليس بريق عطفه الاعتيادي.. بريق اشتياق لشيء ما..
رابه الفضول لأن يدخل معه لبيت ذلك اليتيم.. عندما حان وقت خروجه من منزلهم بدا عليه شيئا غريبا لم يلحظه من قبل.. أيودعهم!.. ولكن لماذا.. تساؤلات تلاعبت فيه.. لم يفارقه تلك الليلة ووقف على باب المنزل ينتظره جاثيا على آلامه.. يراقب ضجيج الأكوان.. وارتباك الملائكة.. وثورة الاتربة.. كل شيء اعلن فوضاه..
انفتحت الباب.. حلتْ السكينة كأنهم يترقبون حدثا هاما.. وقف اليتم يراقب الحدث.. مسمار يتمسك بأذيال الإمام.. الوز يعلو صراخه باسطا جناحيه.. التفت الى الإمام يردد: صوائح تتبعها نوائح.. يسير اليتم سير المغشي عليه.. أي هول سيقع على الارض وأي رزية..
في اثناء ذلك إرتفع صوت الأمير لتحمله كل ذرة في العوالم وتوصله الى الأمد البعيد ليدخل لكل منزل في الكوفة بل والدنيا أجمع.. بدأت الركعة الاولى.. وبينما يلفظ الفجر أنفاسه الاخيرة.. أحمرت السماء واخضرت.. وتراعدتْ الرياح... وزمجرت السماء.. وأضاعت الرياح محاورها لتغدو مبعثرة بين السماء والارض.. اعتلى الصوت.. تهدمت والله أركان الهدى.. جاء صوت خافت: فزت ورب الكعبة..
الصوت.. اليتم يعرفه.. ركض باتجاه المجهول.. بل كان يتبع ترددات الفوز.. وصل اليه... محبوبه مغطى بالدماء.. تسايل قطره.. شققت الدموع خد قلبه.. رفعوه.. يتبعه بنظره.. أيحمل مكتوفا من حمل باب خيبر.. لحقه..
لا يموت.. لا يموت من حياته في القلوب.. اقترب من حامليه لماذا انزلوه، الدم راح يتوضأ به.. سمع همسا خافتا.. انزلوني لئلا تراني زينب.. ثم دخلوا ومعهم طبيب.. خرجوا وأعلنوا بأن دواءه اللبن فأسرع يتعثر بدموع الفرح وهو يطرق أبواب أيتامه ويخبرهم باحتياج أبيه للبن ليعود سليما فتجمعوا حوله ومعهم آنية اللبن..
يقفون ينتظرون من مُخبرٍ لهم عن حاله.. خرج سيدهم الحسن.. أخبرهم بالعودة.. تساءل الجميع عن السبب.. إتخذ اليتم زواية المنزل.. أسقط إناءه، وصم إذنيه عن سماع الخبر، حتى رأى منظر الاطفال وهم يمسحون دموعهم معلنين يتمهم الأوجع.. رفع يديه عن اذنه أغمض عينه.. ثم اتجه نحو باب المنزل يلثم اعتابها مودعا.. وقف حتى أعلن اليتم يتمه.
اضافةتعليق
التعليقات