تخبرنا الروايات الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار بأهمية اختيار الزوجة الصالحة من ناحية سلامة النسل والأسرة والتربية، فاهتم بصلاح الأبناء إلى أقصى حالات الاهتمام ويحسب ذلك على اختيار الزوجة، فكلما كان الابن صالحاً كانت الأم صالحة، وأعطى توصيات المشرع الاسلامي في أمور الزواج من ليلة الزواج حتى ما بعد الولادة والنفاس فلماذا يجهل الناس هذه التوصيات؟.
فالإنسان يقع في المحرمات من دون علم أو معرفة ويخرج من نسله الخبيث فالكاسب على سبيل المثال الذي يمزح ويضحك مع النساء الاجنبيات اللواتي يأتينه لشراء ما عنده من بضاعة لا يمكن أن يقدم جيلاً صالحاً إلى مجتمعه وكذلك المرأة التي توزع الابتسامات هنا وهناك وتمزح مع غير محارمها لا يتأتى لها تقديم نسل صالح للمجتمع الذي تحيا فيه، إن الاسلام العظيم يحث المسلمين على قراءة الآذان في أذن الوليد اليمنى، وقراءة الاقامة في الأذن اليسرى، كي لا يصيبه شر ولا مخمصة فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "يا علي إذا ولد لك غلام أو جارية فأذن في أذنه اليمنى، وأقم في اليسرى فإنه لا يضره الشيطان أبداً".
هذه التوصيات هي أسس إسلامية صحية في سلوك الطفل وتربيته، فالبعض يركز على انجاب الأولاد من دون أن يراعي أمور التربية الحسنة والمعيشة لذلك تجد الكثير من الآباء يشكون سوء تعامل الأبناء معهم، لو دققنا في سلوك الأبناء لوجدت ضعفا في تربية الطفل أو في حياة الزوجة لم تعمل بالتوصيات الاسلامية فكانت النتيجة ولد عاق.
بينما هناك من يفتخر في ذريته ويقول ذرية طيبة وكثير ما نسمع هذه المقولة "رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ". هذه إحدى دعوات زكريا التي قصّها اللَّه تعالى في كتابه.
لما رأى زكريا أنّ اللَّه يرزق مريم فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، طمع حينئذٍ في الولد، وكان شيخاً كبيراً قد وهن العظم منه، واشتعل الرأس شيباً، وكانت امرأته مع ذلك كبيرة وعقيماً، لكنه لكمال إيمانه، وحسن ظنه بربه بكمال قدرته تعالى، ونفوذ مشيئته وحكمته، أقبل على الدعاء من غير تأخير، كما أفاد قوله تعالى.
سأل ربه، وناداه نداء خفياً، كما في قوله تعالى في سورة مريم اذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا، فقوله رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ، جاء الطلب بلفظ الهبة؛ لأنّ الهبة إحسان محض، ليس في مقابله شيء، وهو يناسب ما لا دخل فيه للوالد؛ لكبر سنّه، ولا للوالدة؛ لكونها عاقراً لا تلد، فكأنه قال: أعطني من غير وسط معتاد، لأنه لم ينظر إلى الأسباب والمسببات بظروفها العادية؛ بل نظر إلى خالقها، وموجدها، ومكونها، وهذا هو الإيمان الصادق الخالص للَّه تعالى، وعلى حسن ظن العبد بربه ينال من كراماته، وسحب فضائله التي لا تحدّ ولا تعدّ.
ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً في تقييد الذرية بالطيّبة إشارة مهمّة أنّ العبد لا يسأل اللَّه تعالى الذرية فقط، فلابدّ أن يقيّدها بالصلاح والطيب التي يُرجى منها الخير في الدنيا والآخرة، فالذُّرِّيَّة الطيّبة، هي الطيّبة ((في أقوالها، وأفعالها، وكذلك في أجسامها، فهي تتناول الطيب الحسّيّ، والطيِّب المعنوي)).
إنك سَمِيعُ الدُّعَاءِ: تعليل للسؤال: أي إني ما التجأت إليك، وسألتك إلا لأنك مجيب الدعاء، غير مخيّب للرجاء، وختم الدعاء بأحسن ختام من التوسل بأسمائه تعالى الحسنى، وصفاته العُلا التي تناسب الدعاء، فجاءته البشارة العاجلة عقيب السؤال، كما أفاد ذلك حرف التعقيب (الفاء) في قوله: فَنَادَتْهُ الْـمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْـمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِـحِينَ.
تضمّنت هذه الدعوة المباركة فوائد، وحِكَماً:
- إنّ جميع الخلق مفتقرون إلى اللَّه، حتى الأنبياء لا يستغنون عن دعاء اللَّه تعالى في كل أحوالهم.
- إنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل مطلق الذرية؛ لأنّ الذريّة قد يكونون نكداً وفتنة، وإنّما يسأل الذريّة الطيّبة.
- إنّ حُسن الظنّ من حسن العبادة، وأنه تعالى يجازي عبده، ويعطيه على قدر حسن الظنّ به.
- إنّ من تمنى أمراً عظيماً، أو رأى شيئاً جليلاً يتمناه، أن يقبل على الدعاء في لحظته، ولا يؤخره، دل عليه قوله تعالى هُنَالِكَ دَعَا ففي ((تقديم الظرف للإيذان بأنه أقبل على الدعاء من غير تأخير)).
- ((إنه ينبغي للإنسان أن يفعل الأسباب التي تكون بها ذريته طيبة، ومنها الدعاء؛ دعاء اللَّه تعالى، وهو من أكبر الأسباب)).
- فيه دلالة على أن الدعاء يردّ القضاء، وذلك أن من الأسباب العادية، أن العقيم والعجوز لا تلد، فلمّا دعا اللَّه تعالى أن يرزقه الولد، جاءت البشرى مباشرة، كما أفاد قوله تعالى فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ عقب دعائه مباشرة، دلّ على ذلك بـ((الفاء السببية))، والتي تفيد التعقيب والترتيب بدون مهلة.
- إنه كما يُتوسل إليه تعالى بأسمائه، كذلك يُتوسل إليه جل وعلا بأفعاله، فقوله: هَبْ لِي، توسّل بصفة الهبة، وهي صفة فعلية، وهي مشتقة من اسمه (الوهّاب).
- إن في ذكر هذه القصة العجيبة، وما تضمنته من دعوة جليلة ((حتى لا ييأس أحد من فضل اللَّه تعالى ورحمته، ولا يقنط من فضله تعالى وتقدّس)).
- إنّ من أحبّ الوسائل إلى اللَّه تعالى التوسل إليه بضعف الداعي، وعجزه، وفقره إلى اللَّه تعالى؛ لأنه يدلّ على التبري من الحول والقوة، وتعلّق القلب بحول اللَّه، وقوته؛ لقوله تعالى: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا.
- إنَّ الشكوى إلى اللَّه تعالى لا تنافي الصبر، وإنما هي من كمال العبودية للَّه تعالى.
ــ يُستحبّ التوسّل إلى اللَّه تعالى بنعمه، وعوائده الجميلة السابقة عليه؛ لقوله تعالى وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا، لهذا يستحسن للداعي أن يستحضر نعم اللَّه تعالى عليه، وأنوع إحسانه بين يدي دعائه.
اضافةتعليق
التعليقات