في فوضى الحياة وضجيجها وتقافز الساعات والدهور التي بلمح البصر تسير الى مستقبل مجهول بالجميع، حيث لم ننقب عن خبايا ذلك القادم، وبعضنا راح يشغله ماضٍ آسٍ متناسيا أن المستقبل جارٍ وبين هذا وذاك هناك رحلة الحياة التي تجبر الجميع على السير الدائم فيها، فمنهم من يسير في خفٍ يعيش كل جزيئة منها، وآخر يمشي بتثاقل نحو انتهاء عمره لم يُقدم لنفسه او لمن بعده شيء.
أعيش بين ثنايا الألم وروح واهمة تمنح لضجيجها هدوء مستعار، هاهي أيامي الأخيرة تقترب من موتٍ محتم، الجميع يعبرون عن حبهم لي بنظرة الشفقة المعودة التي خالطتني منذ ذلك اليوم.
كنت حرا أطير بجناحين زهريين وببدن رمادي وعقل مغطى بغيمة سوداء حيث كنت أضيع كل لحظة ظنا مني بأني أحيل لونها الى متعدد الالوان، بهستريا الألعاب وتلف الأموال الذي يمنحني فرصة لأخرج الى هذا العالم وبفمي ملعقة لم أصفها بالذهب بل ذلك الدخان المسيطر على عقلي، عالم مليء بحفنة من الترهات سيارة فاخرة ومنزل عال ومساحة كبيرة لم أحتج لأن اطلب شيء فكل ما أريد متوفر عندي فكيف لا وانا ابن للطبيب الجراحي المشهور وزوجته الطبيبة النسائية المعروفة، ذلك ما أهلني لان أفعل ما أحب لأتهور كيف اشاء واحيانا استغل كل كبيرة وصغيرة لصالحي، هذه الرفاهية قد يتمناها الكثيرون إلا انها عبئ من حيث لا اعلم.
كان يوما عاديا ككل يوم عندما أخرج واتسكع ليلا مع أصدقاء مثلي أسير بسرعة هوجاء ترافقنا أغانينا المعتادة التي لم تشعرني يوما بفرح او سعادة مؤقتة كانت يرافقني الكثير من الهموم التي جائتني من الفراغ.
لم أسمع سوى ضجيج وأطياف تلاحقني وشعور بالدوران، وألم يستشري في بدني ولا أحد معي سوى أجهزة ذات أصوات مزعجة وهي ترنم صوتا ذا أيقاع واحد على إذن أعتادت تنوع الترانيم، أين أنا؟ سؤال يسير الى المجهول وعواصف الاطياف تترى، المرأة! حينها فقط تذكرت ذلك الحادث وكيف ضربتها واستدارت سيارتي نحو عمود الإضاءة، نظرت الى قدمي اختلف طولها احداهما لُفّتْ بأشرطة الطب وأخرى! الاخرى لم تكن موجودة، حينها قاطع حديثي ذاك الطبيب المختص يتبعه والدي.. بعد التحية وأمور اخرى لم تعرها إذني اهتمام.. أين قدمي؟ سؤال في بروده يحمل شعلة من الغليان، كلمات الطمأنينة كانت تقودني لهلع اكثر، رغم إنها لصالحي إلا إني عجزت وبكل جدارة تقبل ذلك الأمر لأـني مؤمن بأن فقدان اي شيء هو خسارة وهذا عين الوهم.
لا أعلم كم مرّ من الاشهر او حتى السنة وأنا ازداد سوءا بسبب المضاعفات التي تتقافز لجسمي، واعانق ذلك السرير المزعج حتى جذبتني النافذة لسماع أصوات الضحك حيث استقمت وانا لم الحظ تلك النافذة ولم أفكر لوهلة ان انتظر ما تحتوي من عالم آخر، كانت طفلة ابنة العاشرة أو أصغر تعانق اشجار الحديقة وتراقب الفراشات وتضحك، والاشد صدما كانت تجلس على كرسي متحرك وليس لها قدمين!.
ما أثار حفظيتي واربكني تورد وجهها وهي تبتسم وكأن لا شيء بها، يومها وبعد الاستعانة بأحد الممرضين استطعت أن أصل الى تلك الطفلة التي أبدو كأبيها جسما وطفل أصغر منها فكرا، وقد اثبتت لي ذلك بعد ان سالتها باستفزاز كيف تفرحين وتلعبين وانت فاقدة للقدمين؟
يومها ابتسمت ببراءة لا تنم عن ذكائها حين قالت: سعادتي لا تكمن في قدميّ أنما في روحي فلا أهتم مادام ذلك لا يعيقني، فأستغل اللحظة فغدا يكون او لا يكون.
انتابني الفضول لأستكشف ما تحمل تلك الطفلة ممن افتقدته لأسألها باستفزاز: وهل السعادة ان تحاكي الفراشات كالمجنون.
إلتفتْت بعد ان تحررت تلك الزهرات من يديها لتقول: عندما تطرق الباب الخاطئ هل سيظهر لك من قصدته.
أجبتُ ببلاهة: لا، بالطبع.
لتكمل: اذا أنت لا تجد السعادة حين تطرق غير ابوابها، أبحث عنها في المكان الصحيح لتعم بالتفاصيل الدقيقة، فمثلا أبداع الخالق المتجسد في ألوان الفراشات يثير في نفسي بهجة وعظمة لربي.
ومن ذلك الحين وإلى لحظتي هذه وأنا أعيش متأملا بكل دقيقة تمر بي وأعمل فيها لأسعَدُ وأُسعِدُ غيري، مرددا عبارة لأستثمر اليوم فغدا يكون او لا يكون.
اضافةتعليق
التعليقات