يعدّ الخوف من إلقاء الخطابات أمام العامة أو الحديث مع الغرباء أمرًا مزعجًا لدى العديدين، إذ يطلق على هذه الحالة مرض الرهاب الاجتماعي. وهو من المشكلات النفسية الشائعة، التي تظهر بشدة عند التعامل مع المواقف المجتمعية المختلفة، ومن الطبيعي أن يشعر الإنسان بالانفعال في بعض المواقف الاجتماعية.
فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الذهاب إلى موعد عمل أو تقديم عرض تقديمي إلى الشعور بالتوتر والقلق والانفعال. ولكن في اضطراب القلق الاجتماعي، والمعروف أيضًا بالرهاب الاجتماعي، تؤدي التفاعلات اليومية إلى القلق البالغ والخوف والوعي الذاتي والحرج بسبب الخوف من تركيز الآخرين على أفعال الشخص ومراقبتها أو الحكم عليها إذ يشعر المريض حينها بالخوف والتوتر والقلق والحرج، بمجرد تعرضه لأي منها، أو الوجود في مكان به مجموعة كبيرة من الناس.
ما هو الرهاب الإجتماعي:
يطلق مصطلح الرهاب الإجتماعي على حالة الخوف والذعر التي تصيب الإنسان عند مخالطته للأشخاص المختلفين في المجتمع، وتكون حالة الخوف المرتبطة بالرهاب الإجتماعي ناتجة عن الذعر من تلقي الأحكام من الأشخاص، أو نظرة الأشخاص لهم بطريقة سلبية، أو الخوف من شعور الرفض.
عمر الإصابة بالرهاب الإجتماعي:
تبدأ حالة الرهاب هذه منذ سنوات الطفولة المبكرة، أو في سنّ المراهقة، وتشير الدراسات أن ظهور هذه الحالة قبل الدخول إلى المدرسة عن طريق الخوف من الغرباء، وتتكرّر في سنّ الثانية عشرة إلى السابعة عشرة، عن طريق الخوف من نقدٍ ما أو التقويم الإجتماعيّ للفرد، وتندر الإصابة بهذا النوع من الرهاب أو الخوف إبان سنّ الخامسة عشرة فما فوق. يعتبر الرهاب الاجتماعيّ مرضاً نفسياً مزمناً على الرغم من ظهوره مبكراً، وأغلب المصابين بهذه الحالة يتأخّرون في العلاج على الرغم من معرفتهم بإصابتهم تلك، وذلك تخوفاً من مواجهة حالتهم والاعتراف بها أو خجلاً منها. يتعرّض المصاب بهذه الحالة لعددٍ من المشاكل والخسائر على جميع الأصعدة، ولهذا يطلق على هذه الحالة مصطلح (الإعاقة النفسيّة)، وتتطور حالة الرهاب إلى الإعاقة بسبب عدم قدرة المصاب بها على مشكلته تلك ومحاولة معالجتها عن طريق المختصين، وهذا يؤدي إلى خسائر اجتماعية ومادية وصحيّة ومهنيّة، بالإضافة لهذا يحرم من التعاطف والدعم الذي يحظى به المصابون الآخرون.
أين يحدث الرهاب الإجتماعي؟
يتعرض كل من الأشخاص المصابين بالرهاب الإجتماعي لأعراض مختلفة، ولكن تتشابه الحالات والمواقع التي يصاب بها الإنسان بهذه الأعراض، فيما يأتي أمثلة على ذلك:
• التحدث مع الغرباء.
• التحدث أمام مجموعة كبيرة من الأشخاص.
• التواصل البصري.
• الدخول إلى غرفة مليئة بالأشخاص.
• الذهاب إلى الحفلات المكتظة.
• تناول الطعام في مكان عام.
• الذهاب إلى المدرسة أو العمل.
• البدء بمحادثة.
ما هي أعراض الرهاب الإجتماعي؟
يتعرض الأشخاص الذين يعانون من الرهاب الإجتماعي من أعراض بدرجات عدة، فيما يأتي أمثلة على هذه الأعراض:
1-احمرار الوجنتين، والتعرق، وسرعة في ضربات القلب، وتوقف العقل عن التفكير.
2- الشعور بالغثيان وألم في المعدة.
3-الوقوف باستقامة وتصلب في القوام، وتجنب التواصل البصري، والتحدث بصوت منخفض جدًا.
4- الخوف من التحدث مع الأشخاص خصوصًا الغرباء منهم، وإيجاد صعوبة بالغة في ذلك.
5- التصرف بخجل بالغ وغرابة.
6-الخوف من الأحكام التي يطلقها الآخرون.
7-الابتعاد عن الأماكن المليئة بالأشخاص.
ما هي الأسباب وراء الإصابة بالرهاب الإجتماعي؟
هناك عدة أسباب مرتبطة بالإصابة بحالة الرهاب الاجتماعي، بحيث تكون هذه الأسباب إما بيولوجية أو بيئية، فيما يأتي بعض الأسباب المحتملة:
• الجينات الوراثية يصاب الأشخاص بمرض الرهاب الإجتماعي بشكل متوارث في العائلة، ولكن لم يتضح بعد إن كان السبب الجيني هو الوحيد المسؤول عن الإصابة بهذه الحالة أم أنها ردة فعل مكتسبة.
• بنية الدماغ هناك جزء في الدماغ يدعى لوزة المخيخ مسؤول عن تنظيم الخوف في دماغ الإنسان، إذ يعاني بعض الأشخاص من فرط نشاط لوزة المخيخ لتجعل شعور الخوف والقلق مضاعفين لدى هذا الشخص.
• عوامل بيئية من الممكن أن تكون حالة الرهاب الاجتماعي مكتسبة جراء التعرض لموقف سيء أو مسبب للحرج الكبير، وهناك ارتباط وثيق بين الرهاب الاجتماعي ومعاملة الأبوين للأطفال المليئة بالتحكم أو إفراط الاباء في الحماية والخوف على أطفالهم.
كيف يؤثر على حياتك؟
يمنعك الرهاب الاجتماعي من ممارسة حياتك الطبيعية، فستتجنب المواقف التي يعتبرها كثير من الناس «عادية»، وربما تعجز عن إدراك كيفية تعامل الآخرين معها.
وعندما تتجنب جميع أو كثير من المواقف الاجتماعية، ستتأثر علاقاتك الشخصية، وتسبب: قلة الثقة في النفس، التفكير السلبي، الإحباط، الحساسية من الانتقاد، ضعف المهارات الاجتماعية .
كيف يمكن التغلب على الرهاب الاجتماعي؟
في حال تم التشخيص بالرهاب الاجتماعي من قبل الطبيب، فذلك يحتاج إلى علاج يتمثل بالنقاط الآتية:
• المعالجة النفسية (Psycotherapy)
تحسن المعالجة النفسية الأعراض لدى معظم المرضى، حيث يتعلمون الوسائل والمهارات لتغيير طريقة تفكيرهم والتغلب على المواقف المزعجة، ويعد العلاج النفسي جدًا فعال في حال الانتظام في الجلسات.
• تناول الأدوية
تعد مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية ((SSRI) Selective Serotonin Reuptake Inhibitors) من أبرز أنواع الأدوية التي تستخدم بشكل أولي وأساسي في علاج الرهاب الاجتماعي بالإضافة إلى أدوية أخرى تخفف من أعراض القلق والاكتئاب.
• تغييرات في نمط الحياة
يجب إحداث تغيير جذري لبعض العادات الخاطئة فيجب على مريض الرهاب الاجتماعي العمل بالآتي:
• الابتعاد عن الخجل قدر الإمكان، وطلب المساعدة بشكل باكر قبل أن تتفاقم الحالة ليتمكن من التغلب عليها بشكل أفضل.
• استعمال مدونة لتسجل فيها الأحداث اليومية وما هي الأمور التي تسبب لك التوتر بشكل أكبر.
• ترتيب أولوياتك لتحديد أهم الأمور بالنسبة إليك؛ لتقضي فيها وقتك وجهدك فهذا يساعد على تجنب القلق.
• ممارسة الرياضة بانتظام وتعلم مهارات الاسترخاء.
• أحصل على قسط كافي من النوم وتجنب الكافيين وتناول غذاء صحي ومتوازن.
• التدرب، وذلك بواسطة المشاركة في أنشطة اجتماعية بصحبة أناس ترتاح بالتواجد معهم.
• التواصل البصري مع الآخرين بشكل متعمد ومحاولة البدء بالكلام قدر المستطاع.
• تذكير نفسك دومًا بعد المواقف المحرجة بأن المشاعر التي تشعر مؤقتة، وأنه يمكنك التغلب عليها، وأن معظم الناس لا يلاحظون أو يهتمون بالقدر الذي تعتقده.
متى تجب زيارة الطبيب؟
• إذا كنت تشعر بالتوتر لدى استبدال أو إرجاع أشياء إلى المتجر، أو إذا كنت تخاف وتتجنب مساومة البائع.
• تواجه صعوبة لدى طلب الطعام في المطعم، كأن تتلعثم أو يخفت صوتك وأنت تشرح ما تريد.
• تخاف من الغرباء.
• تشعر بالقلق عندما تدخل غرفة يوجد فيها أشخاص.
• لا تستطيع بدء محادثة.
• تتحاشى التواصل المباشر في العين عندما تتحدث مع الآخرين وخاصة الغرباء.
بعد مراجعة الطبيب قد يوصي باستخدام العلاج السلوكي، وفيه سيعلمك المعالج طرقا جديدة للتعامل مع المواقف التي تدفعك للتوتر. كما قد يصف لك الطبيب أدوية لتغيير مستوى مواد معينة بدماغك وجهازك العصبي. وبالمواظبة على العلاج الذي قد يستمر لسنوات، يستطيع الشخص أن يحيا حياة طبيعية مما يحسن من تقديره لنفسه وتفاعله مع البيئة المحيطة.
اضافةتعليق
التعليقات