ما معنى الخوف؟ وما معنى الرجاء؟
الخوف لغةً: هو الشعور بالذعر والفزع تجاه خطر حقيقي أو متوقَّع. الخوف اصطلاحًا: هو شعور أو ردّ فعل عاطفي يحدث عند الإنسان عند تعرّضه لخطر، مما يؤدي إلى تغيّرات فسيولوجية وسلوكية.
والخوف في المصطلح الديني: هو الخوف من الله سبحانه وتعالى.
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ فاطر: 28.
وقد جاء في رواية عن أبي عبد الله (عليه السلام):
«من خاف الله أخاف الله منه كلَّ شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كلِّ شيء».
وعنه (عليه السلام) أنه قال:
«يا إسحاق، خَفِ الله كأنك تراه، وإن كنت لا تراه فإنه يراك».
وعنه (عليه السلام) أيضًا:
«المؤمن بين مخافتين: ذنب قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه، وعمر قد بقي لا يدري ما يُكتب فيه من المهالك، فهو لا يصبح إلا خائفًا، ولا يُصلحه إلا الخوف».
أما الرجاء لغةً: فيعني الأمل والطمع في حدوث أمر محمود أو توقّع حصول خير ما.
والرجاء في الاصطلاح الديني: هو الرجاء في رحمة الله تعالى والطمع فيها، لكن بشرط أن لا يتجاوز حدَّه الطبيعي.
قال الله تعالى في كتابه الكريم:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ البقرة: 218.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لرجل سأله أن يعظه، فقال له:
«لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير العمل، ويُرجّي التوبة بطول الأمل».
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) لما سُئل عن قوم يعملون بالمعاصي ويقولون: نرجو، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت؟ قال:
«هؤلاء قوم يترجّحون في الأماني، ليسوا براجين؛ إن من رجا شيئًا طلبه، ومن خاف من شيء هرب منه».
ويجب أن يكون هناك اعتدال وتوازن بين الخوف والرجاء لدى المؤمن، فإن مثل الخوف والرجاء بالنسبة للمؤمن كمثل الجناحين بالنسبة للطائر؛ فإن انكسر أحدهما سقط الطائر ووقع إلى الأرض هاويًا. وكذلك الخوف والرجاء، فإن أهمل المؤمن أحدهما أو قصّر فيه أو غلّب أحدهما على الآخر أصبح لديه اختلال في العقيدة، وهوى ووقع وسقط في أصغر مستنقع ظهر أمامه، ويكون بذلك ناقص العقيدة والإيمان. فلذا يجب التوازن والاعتدال ما بين الرجاء بالله تعالى والخوف منه.
وقد جاء في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام):
«ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفًا كأنه يُشرف على النار، ويرجوه رجاءً كأنه من أهل الجنة».
وعنه (عليه السلام) أيضًا قال:
«أرجُ الله رجاءً لا يجرّئك على معاصيه، وخَفِ الله خوفًا لا يُيئسك من رحمته».
وجاء في رواية أخرى من وصايا لقمان الحكيم لابنه أنه قال:
«خَفِ الله عزّ وجل خيفةً لو جئته ببرّ الثقلين لعذّبك، وارجُ الله رجاءً لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك».
فنلاحظ أن جميع هذه الروايات الشريفة تشير إلى أن العبد المؤمن يجب أن يعبد الله سبحانه وتعالى عبادةً متزنةً ومتوازنةً ما بين الخوف من جهة، فلا يدفعه خوفه من الله عزّ وجل إلى القنوط من رحمته، فيدفعه هذا إلى الكفر. قال الله تعالى في كتابه الكريم:
﴿وَلَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ يوسف: 87.
ومعنى روح الله: أي رحمة الله سبحانه وتعالى.
وإن رحمة الله تعالى واسعة جدًا وقد وسعت كل شيء، كما جاء في دعاء كميل الذي ورد عن أمير المؤمنين وسيد الموحدين علي بن أبي طالب (عليه السلام):
«اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء».
لذلك يجب عدم المبالغة في الخوف لدرجة القنوط من رحمة الله سبحانه وتعالى، وبذل الجهد في الدعاء والتضرع والخضوع والخشوع لله سبحانه وتعالى، وتفويض العبد جميع أموره لله عزّ وجل. وينبغي للمؤمن أن يستجيب لنداء الله عزّ وجل بدعائه خوفًا وطمعًا، رغبةً في رحمته، وهربًا من عذابه، كما قال الله تعالى عن نبيّيه زكريا ويحيى (عليهما السلام):
﴿يَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ الأنبياء: 90.
(رغبًا) هنا تعني رجاءً، و(رهبًا) تعني خوفًا.
وقال تعالى في سورة غافر:
﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ غافر: 3.
والجهة الأخرى التي هي الرجاء: أن لا يرجو العبد الله سبحانه وتعالى رجاءً يؤمّنه من عذابه، فيكون بذلك طامعًا برحمة الله لدرجة الأمن من عذابه. قال الله تعالى في كتابه الكريم:
﴿فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ الأعراف: 99.
لأن ذلك يدفع بالعبد إلى ارتكاب الذنوب والمعاصي والموبقات والكبائر من الذنوب، لذلك أمرنا الله عزّ وجل بالاعتدال والاتزان بين الخوف والرجاء. قال الله تعالى في كتابه الكريم:
﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ الحجر: 49–50.
وقال الإمام الباقر (عليه السلام) في هذا السياق أيضًا:
«ليس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران: نور خيفة، ونور رجاء، لو وُزن هذا لم يزد على هذا، ولو وُزن هذا لم يزد على هذا».
فالواجب على المؤمن أن يكون أبدًا بين الخوف والرجاء؛ يخاف الله بسبب الذنوب، ويرجو رحمته جلّ وعلا، فلا ييأس ولا يقنط ولا يأمن.
فخوفه من الذنوب يدعوه إلى التوبة إلى الله، ورجاء رحمة ربّه يوجب حسن ظنّه بالله، واستقامته على طاعة الله، والحذر من كل ما يُغضبه جلّ وعلا.
هكذا كان جميع أنبيائنا ورسلنا وأئمتنا جميعًا (عليهم السلام).







اضافةتعليق
التعليقات