قد يعتقد الكثير أن الترند ظاهرة عابرة وعفوية ولم تحمل أي رسائل أو خفايا فكرية، لكنها أصبحت صناعة مدروسة بدقة وبتأثير عال، لربما تساهم في صناعة الترندات الخوارزميات أو الشركات الانتاجية أو أشخاص يمتلكون أجود أساليب لفت الانتباه ويوجهون المتلقي من حيث لا يشعر، فالترند اليوم لا يصنعه الجميع بقدر ما يُصاغ ليصل إلى الجميع.
وفي الظاهر، يبدو أن المستخدمين هم من يساهموا في صناعة الترند عبر التفاعل والمشاركة والتكرار مع المحتوى، لكن الحقيقة أعمق من ذلك فالمنصات الرقمية نفسها تلعب الدور الأكبر، من خلال خوارزميات خاصة مصممة لتضخيم محتوى معين بصورة تلفت انتباه المتلقي وتجبره على التفاعل، بحيث تصل المشاهدات أحيانا إلى مستوى قد تتفاجئ الجهة المنتجة له، حيث أصبح مصطلح (الترند) في وقتنا المعاصر هو لا يقتصر على التفاعل الرقمي في الواقع الافتراضي، بل بات يتعدى ذلك، من خلال التأثير على العادات والقيم المجتمعية، بل وأحيانا يكلف الفرد نفسه ويثقل كاهله من أجل شراء سلعة قد روًج لها في مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان (الترند)، ولربما يكون فاقدا للقيمة كما هو الغالب، لكون هوس المتلقي به هو التأثر بما رآه وسمعه، حيث إن صناعة (الترند) لا تأتي كما نعتقد، على أنها مسألة عفوية بل إن صانعها يختار الوقت والأسلوب المؤثر في الآخرين حتى يكسب أكثر تفاعلا، ومع الوقت، يتحول التقليد إلى عادة مجتمعية، ثم يتحول التقليد إلى قناعة زائفة بأن هذا هو “المهم” أو “الرائج".
ولا يمكن الاغفال عن دور الشركات المنتجة للمحتوى الاعلامي أو التصاميم والعلامات التجارية التي تتبنى صناعة الترند بذكاء، وعادة ما يرتبط بالمشاعر والعاطفة حيث تستخدم الاستمالة العاطفية لاستغلال بعض من المناسبات السنوية كرأس السنة مثلا.
وقد تكون بعض من الترندات مؤقتة سرعان ما إن تنتهي، وبعضها يطول الحديث عنه بين الناس ويتبادل بين المستخدمين في الواقع الرقمي، لكن رغم كل ذلك، يبقى الجمهور عنصرًا حاسمًا في استمرار الترند أو سقوطه، فالتفاعل هو الوقود الحقيقي، والتجاهل هو أسرع وسيلة لإنهائه واطفائه، فكثير من الترندات لا تتناسب مع قيمنا ومبادئنا، وأحيانا يصل المتلقي إلى مرحلة التقليد الأعمى بل إلى فقدان الوعي في استقبال المعلومة، فنحن نساهم في صناعته (الترند) حين نعيد نشره والتفاعل معه ولربما الترويج له من حيث لا نشعر، حيث أصبح البعض يقيس قيمته بمدى مواكبته لما هو رائج.
في النهاية، الترند لا يصنعه طرف واحد، بل هو نتاج تلاقي الأهداف والأغراض الخفية بين المنصات، والمؤثرين، والشركات، واستجابة الجمهور.
والسؤال الأهم ليس من يصنع الترند، بل لماذا نسمح له أن يصنع ذائقتنا، قراراتنا؟ توجهاتنا وإهتماماتنا؟ فالوعي وحده كفيل بأن يجعلنا متابعين لا منساقين، مشاركين لا مستهلكين، وحاضرين دون أن نفقد أنفسنا وسط الزحام.





اضافةتعليق
التعليقات