كان 2023 العام الأكثر قيظاً على الإطلاق، وتشير الدلائل كافة إلى أن 2024 الحالي أيضاً سيتخطى العام الماضي لجهة درجات الحرارة التي سيسجلها. وتواجه مساحات شاسعة من جنوب أوروبا درجات حرارة مرتفعة بصورة غير معتادة، ويشهد الغرب الأوسط والساحل الشرقي لأميركا ارتفاعاً في درجات الحرارة يصل إلى ما يزيد على 37 درجة مئوية.
ويأتي ارتفاع الحرارة هذا مصحوباً بمخاوف صحية جديدة. للأسف، في وقت سابق من الشهر الجاري توفي مقدم البرامج التلفزيونية الشهير والمؤلف البريطاني مايكل موسلي متأثراً بالقيظ أثناء عودته إلى مكان إقامته في جزيرة سيمي اليونانية. وفقد أربعة آخرون من السياح حياتهم في ظروف مماثلة في اليونان في الأسابيع الأخيرة، وتحدثت تقارير عن اختفاء كثيرين آخرين أثناء تسلق المرتفعات أو ممارسة رياضة المشي، وهذا الأسبوع أبعدت صقلية السياح بسبب موجة الحر القاسية التي تعانيها الجزيرة.
وتحدثت في هذا الإطار أليكس رواني علماً أنها باحثة في علوم التغذية في "كلية لندن الجامعية" (UCL) وكبيرة مدرسي العلوم في أكاديمية العلوم الصحية، فقالت إنه "بصورة عامة، يفارق البشر الحياة في حال مرت عليهم بضعة أيام من دون تناول السوائل. ولكن في أيام القيظ الشديد حينما يكون فقدان السوائل وما يسمى "الكهارل" أو "الإلكتروليت" أكبر (أي المعادن الأساس، مثل الصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم، والتي تعد حيوية لعمل كثير من الوظائف الرئيسة في الجسم كموازنة ضغط الدم، وتنظيم وظائف الأعصاب والعضلات، وترطيب الجسم) يأتي الموت بسبب الجفاف في وقت أسرع كثيراً".
وفي الحالات الأقل وطأة تقول رواني إن الجفاف المزمن أو الشديد يقود إلى التهابات في المسالك البولية وظهور حصوات في الكلى، علاوة على تراجع الأداء الجسدي والعقلي. أضف إلى ذلك الإمساك والهذيان ونوبات الصرع وانخفاض ضغط الدم (يؤدي فقدان السوائل إلى انخفاض ضغط الدم، ما يتسبب بالدوار والإغماء)، ويمكنك أن ترى لماذا لا تقتصر أهمية الحفاظ على رطوبة الجسم على تجنب الإجهاد الحراري وضربة الحرارة فحسب، بل أيضاً تعد مفتاح البقاء في صحة جيدة.
إذاً ما الكمية المناسبة من المياه التي ينبغي علينا أن نشربها؟ معلوم أن جسمنا في معظمه يتكون من الماء (نحو 50 إلى 70 في المئة منه)، ويشمل ذلك خلايانا التي تحتاج إلى الماء كي تتمكن من العمل بصورة صحيحة. ولكن مع ذلك وجدت دراسة تعود إلى العام الماضي 2023 نهضت بها العلامة التجارية لزجاجات المياه "آير أب" AirUp، أن 45 في المئة من سكان بريطانيا يشربون ما يعادل كوباً واحداً فقط من الماء يومياً، على رغم أن الإرشادات الرسمية الصادرة عن هيئة الخدمات الصحية البريطانية تنصح بشرب ستة إلى ثمانية أكواب يومياً. وفي المناخات الحارة علينا أن نشرب كمية أكبر أثناء ممارسة التمارين الرياضية، أو في حالتي الحمل أو الرضاعة.
"تشمل فوائد الحفاظ على رطوبة الجسم بالطريقة الصحيحة تمكين عقلك من العمل بصورة صائبة، وتنظيم درجة حرارة الجسم، والحفاظ على إفراز الهرمونات بصورة ثابتة ومنتظمة، إضافة إلى إطالة عمر الخلايا والمساعدة على الهضم السليم والإسهام في التخلص من السموم"، كما تذكر رواني، التي توضح أنه لا بد من إعطاء الترطيب المناسب للجسم الأولوية نفسها شأنه شأن عادات النوم الجيدة وممارسة التمارين الرياضية.
سيخبرك جسمك إذا كنت في حاجة إلى شرب كمية إضافية من الماء ومتى عليك ذلك.
البروفيسور تيم نواكس
كذلك وجدت دراسة تعود إلى عام 2023 أن الأشخاص الذين يشربون كمية أكبر من الماء يعيشون لفترة أطول ويصابون بأمراض مزمنة أقل مقارنة مع من يشربون كمية أقل. والبحث الذي نهضت به "المعاهد الوطنية للصحة" البريطانية، درس حالة 11 ألفاً و225 شخصاً بالغاً، ووجد أن البالغين الذين أخذوا أقل كمية من السوائل كانوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض مزمنة وظهور علامات الشيخوخة البيولوجية المتقدمة لديهم مقارنة مع من تناولوا كمية صحية من السوائل.
و"تشير نتائج البحث إلى أن الترطيب المناسب للجسم ربما يبطئ الشيخوخة ويطيل سنوات العمر الصحية الخالية من الأمراض"، قالت ناتاليا ديميترييفا، علماً أنها الباحثة التي تولت الدراسة في "مختبر الطب التجديدي للقلب والأوعية الدموية" في "المعهد الوطني للقلب والرئة والدم"، الذي يشكل جزءاً من "المعاهد الوطنية للصحة".
وتقول رواني إن كثيرين منا لا يشربون ما يكفي من المياه على مدار اليوم لتجديد الماء الذي نفقده من طريق عمليتي التبول والتعرق (ما يقارب 2.5 ليتر إلى 3 ليترات يومياً بالنسبة إلى شخص بالغ يتمتع بصحة جيدة). "لا نفكر عادة في شرب الماء، أو لا نشعر حتى بالعطش، إلى أن نصاب بجفاف خفيف". وبحلول وقت تشعر فيه بالعطش، تذكر رواني، ربما نكون فعلاً قد أصبنا بجفاف تراوح نسبته بين 1 و2 في المئة.
وفي حين من السهل علاج حالة الجفاف الخفيفة بمجرد شرب كمية أكبر من الماء، كما ذكرت عناوين الأخبار الخاصة بموجة القيظ الأوروبية، غير أن الجفاف المزمن أو الشديد يمكن أن يهدد الحياة، تضيف رواني. عندما يتعرض شخص ما لضربة شمس، يتوقف الجسم عن التعرق وربما يعاني نوبات أو هلوسة. وفي هذه الحالات القصوى من الضروري أن يحصل المرء على الحقن الوريدي كي يعيد ترطيب جسمه. أما العلامات التي تشير إلى إصابتك بالجفاف المزمن فتتلخص في الشعور بالضعف والإصابة بصداع متكرر، تقول مضيفة "ولكن بدلاً من شرب كمية كبيرة من الماء دفعة واحدة، من الأفضل استهلاك الماء على مدار ساعات اليوم".
وتوضح أنه على رغم أنه نادر الحدوث ولكن من الوارد أيضاً المغالاة في شرب كمية كبيرة جداً من الماء، بيد أن "استهلاك قدر كبير من الماء يؤدي إلى تمييع الدم، بينما يتسبب في انخفاض مستويات الصوديوم والبوتاسيوم و"الكهارل" الأخرى. وتسمى هذه الحالة نقص صوديوم الدم أو التسمم المائي، وتطرأ عندما تشرب كثيراً في فترة زمنية قصيرة، أو عند وجود حالة طبية كامنة أصلاً تحول دون تصريف الماء كله من الكلى" [فيتراكم البول فيها]. حسب اندبندت عربية
اضافةتعليق
التعليقات