بعد السبات الذي جثم على أنفاس من يبغي حياة حرة كريمة في عراق المآسي والجراح، وبعد التي واللتيا والوعود والعهود، بأعادة جنائن بابل المعلقة لتزهر من جديد، ولدجلة والفرات عذوبة ماءهما المفتقدة منذ دهور، ولقلب الفقير نبضة فرح جديدة، وللحدود هيبة السيادة، والكثير الكثير من الأمنيات التي حلم بتحقيقها كل من كان ضحية أنظمة الظلم والاضطهاد السابقة واللاحقة، انطلقت صرخة شقت ذاك السبات القاهر، صرخة دوت في عتمة ديجور سحيق، كأنها نور شتت ملامح الظلام، نعم إنها تظاهرة (الـواحد من اكتوبر).
انتفض الشعب أخيرا على أنظمة الفساد، خرجت جحافل تندد بما استبيح من حقوق، تظاهرات عارمة جمعت الألوان والأعراق تحت راية (الله اكبر)، هتفت بأسقاط كل من كان له يد في سن دستور لا يمت لهم بصلة، ولا يلبي طموحاتهم، شباب، كهول، نساء، وأطفال، خرجوا بقلوب عارية من الخوف، صدحت حناجرهم بصرخة واحدة (نازل اخذ حقي).
صحوة ربما نصفها بالمتأخرة، بعد أن فاض الكيل بالمستضعفين، لكنها جاءت وبقوة، رغم الأفواه الجائعة، والأحلام المهدمة، والقلوب المفجوعة، جاءت رغم الفقر المدقع بالبعض، لكننا نشاهدهم يقدمون كل شيء في سبيل التعافي من الطفيليات التي علقت بمستقبلهم.
تظاهرات اسرت القلوب والانظار لما حملته من ايثار وتضحيات، تلاشت فيها الفروقات المجتمعية، اتحدت الكلمة بوجه الظلم، نعم هكذا هي التظاهرة الصحية المعبرة عن وعي المشاركين فيها، وهذا ما شاهدناه بفخر واعتزاز، جعلنا نفيض وطنية وتسامحا وسموا بأنفسنا، الكل يساهم حسب موقعه وقدرته، يرفع علما بيده، يرسم بالأخرى جدارية الأمل الموعود، بألوان عصامية، لن تزول حتى وإن مرت عصور ودهور.
الكل مفتخر بأنجازه في تظاهرات اكتوبر، لكن ونقولها بكل اسف، بعضهم استغل تلك الشرارة لمصالحه، لزرع الفتنة، او للتظاهر بأنه (متظاهر) بمعنى يتباهى انه في صفوف المتظاهرين، فنجده بكامل هندامه، همه الوحيد التقاط صور له توثق مشاركته، لينشرها لاحقا في مواقع التواصل الاجتماعي، او ليكون بطلا في حديثه امام اقرانه، وما ان ينتهي منها ينسحب كالافعى الى جحرها، حقيقة مؤلمة ان تلك الشريحة لا تشعر بمعاناة من يحترق قلبه وجعا على وطنه وأبناء شعبه.
أيها المتباهي بالتظاهرة المزيفة عليك أن تعلم، أن ما تفعله يثير السخط والاشمئزاز، ولا تعتبرها حرية شخصية، لأنك مشارك في تظاهرات لها قوانينها الخاصة، فأنت لن تقارن ابداً بمن هجر الاهل والراحة، لمحاسبة المقصرين في الطبقة الحاكمة، ولا يستثنى من ذلك من ذكرناهم سابقا، الذين يحاولون ان يغيروا دفة الأحداث، وينقل التظاهرات من سلميتها إلى العنف وفقدان السيطرة، لتزهق أرواح بريئة تحلم بوطن يلم شتاتها من ضياع السنين.
على الجميع مراجعة نفسه أولا قبل الشروع في اتخاذ قرار المشاركة في هذا الحدث المصيري؛ كونه يمثل واجهة لوعي المواطن العراقي بما يدور حوله، فعلى من يشارك أن ينسلخ من ولاءه للأفراد والجماعات، وأن تكون كلمته نابعة من صميم فكره وقلبه وايمانه بقضيته، فكما قال تعالى في محكم كتابه العزيز (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، نعم فالتغيير يبدأ من ذواتنا وقناعتنا به أولا، ثم يتوسع ليشمل المجتمع.
اضافةتعليق
التعليقات