عندما يبدأ التغيير في حياة الإنسان يشعر أنه ولد من جديد .. فتولد فيه روح جديدة ووعي جديد، وتولد لديه علاقات جديدة، وعادات جديدة، ومشاعر جديدة.. ويعود كما خُلق من بطن أمه .
وما أجمله من ميلاد، بهذا الميلاد يحق للإنسان أن يفرح ويسميه عيد الميلاد .
ومن نعم الله تعالى علينا - أيها الأخوة والأخوات – إن الله تعالى جعل لنا فرصاً عديدة لنغسل فيه أرواحنا - كغسيل المولود بعد خروجه من بطن أمه - ومن تلك الفرص :
أ - الصلاة عن رسول الله ﷺ: إذا قام العبد إلى الصلاة فكان هواه وقلبه إلى الله تعالى انصرف كيوم ولدته أمه.
ب - الصوم: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): شهر رمضان شهر فرض الله عليكم صيامه، فمن صامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
ج - الحج: فعن الإمام الصادق (عليه السلام): الحاج يصدرون على ثلاثة أصناف: صنف يُعتق من النار، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه، وصنف يحفظ في أهله وماله فذاك أدنى ما يرجع به الحاج.
د - زيارة النبي وآله: فعن النبي محمد (صلى الله عليه وآله): "يا علي من زار قبوركم ... وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه".
وهكذا ورد في زيارة الإمام الحسين والإمام علي الرضا (عليهم السلام) ، وورد في تغسيل الموتى وتشييع الجنائز، والسعي في قضاء حوائج المريض ومصافحة الاخوان .فما أجمل تلك الحالات التي تطهر فيها الأرواح وتتغير النفوس فتؤهل للدخول في جنة الله تعالى .
عن السيد المسيح: لن يدخل ملكوت السموات ما لم يولد من جديد .
وجاء في الانجيل أن السيد المسيح كان ماراً بأحد الأسواق فسأله أحدهم: من يستحق الدخول إلى مملكة الله؟ فنظر المسيح إلى طفل وقال: أولئك الذين هم مثل هذا الطفل هم فقط الذين يستحقون الدخول إلى مملكة الله .
والملاحظ أنه قال: أولئك الذين مثل الطفل ولم يقل هؤلاء الأطفال ذلك لأن الطفل قد يفسد من قبل الوالدان والمجتمع، ولا طريق له إلا الرجوع إلى الطفولة التي تمثل البراءة والطهارة ... فيحمل قلباً صافياً من الكدورات الدنيوية ..
وإن لم يغير الإنسان واقعه السيء، فما قيمة حياته على الأرض.
كان عماد في منتهى السعادة عندما أيقظته والدته لكي يستعد للسفر إلى جزيرة تاهيتي الجميلة على ظهر السفينة التي تحتوي على مائة غرفة ومطعم كبير وصالة للألعاب الرياضية وحوض سباحة كبير، وبسرعة كان عماد مستعداً تماماً .
وتجمعت العائلة المكونة من الأب والأم ومرفت وهي الابنة وعمرها عشر سنوات، وعماد وهو في السابعة من عمره، وفي الطريق إلى الميناء كان الجميع يحلمون بالرحلة وبالعطلة الجميلة على شواطىء تاهيتي الساحرة. وأخيراً وصلت السيارة الأجرة إلى الميناء، وصعد الجميع على ظهر السفينة وقادهم المسؤول إلى غرفتهم في الدور الأول من السفينة.
ومضى الوقت سريعاً وبدأت السفينة في الإبحار. في ذلك الوقت كانت العائلة في المطعم تتناول الغذاء، واستغل عماد إنشغال الجميع في الحديث والطعام وذهب إلى سطح السفينة لكي يشاهد حمام السباحة ويتمتع بمنظر المحيط. وكان المنظر رائعاً.
وذهب عماد إلى نهاية السفينة وبدأ ينظر إلى أسفل وانحنى أكثر من اللازم وكانت المفاجأة ... وقع عماد في المحيط وأخذ يصرخ ويطلب النجدة، ولكن بدون جدوى وأخيراً كان هناك أحد المسافرين وهو رجل في الخمسينات من عمره فسمع صراخ الطفل وبسرعة ضرب جهاز الإنذار ورمى نفسه في المياه لإنقاذ الطفل، وتجمع المسافرون وهرول المتخصصون وبسرعة ساعدوا الرجل والطفل عماد وتمت عملية الإنقاذ ونجا عماد من موت محقق.
وعندما خرج من المياه ذهب إلى والديه ليعتذر عما صدر منه وبعد ذلك بدأ في البحث عن الرجل الشجاع الذي أنقذ حياته، ولما وجده واقفاً في ركن من الأركان وكان ما زال مبللاً بالمياه، جرى إليه وحضنه وقال له: "لا أعرف كيف أشكرك لقد أنقذت حياتي من الغرق"، وبإبتسامة هادئة رد الرجل قائلاً: "يا بني أتمنى أن تساوي حياتك إنقاذها"..
وكانت هذه الكلمات بمثابة ماء بارد رش في يوم ساخن، واستقرت بعمق في ذهنه، وكانت الدافع الرئيسي في نجاح عماد في حياته فقد تبرمجت في عقله بعمق ولازمته طوال حياته وجعلته مرموقاً ناجحاً محباً للخير وكلما واجهته تحديات الحياة تذكر كلمات الرجل :
يا بني أتمنى أن تساوي حياتك إنقاذها.
اضافةتعليق
التعليقات