يعتبر الاهتمام بالطفولة من أهم المعايير التي يقاس بها تقدم الأمم وتحضرها فهو مطلب رئيسي تقتضيه القدرة على مواجهة التخلف والتحديات العلمية والصحية والتكنولوجية التي تواجه كل أمة تريد لنفسها البقاء والاستقلال والسيادة.
فأطفال اليوم هم رجال الغد وصانعوا القرار في أي مجتمع، فلو هيئت لهم البيئة السليمة التي تساعد على النمو السوي عقلياً واجتماعياً وانفعاليا وخلقياً لأصبح من السهل على هذه الطاقات البشرية أن تنطلق في دور بناء الخدمة مجتمعها .
ولكن لماذا الاهتمام بالطفولة أولاً؟
إن الاهتمام بالطفولة لا يلغي الاهتمام بالمراحل الأخرى، ولكن الطفولة هي حجر الأساس في بناء وتكوين وإعداد إنسان المستقبل. ففيها يتحدد مسار نموه الجسدي والعقلي والاجتماعي والانفعالي وفيها تتحدد ملامح شخصية الفرد. وبداية تكوين النماذج السلوكية المرغوبة اجتماعيا، وفيها تتشكل قدراته واتجاهاته وقيمه، وفيها يتعلم الطفل مفاهيم الالتزام والانتماء والوفاء والصدق والعطاء وهي ركائز أساسية في الشخصية الفعالة المبدعة.
إن الأطفال هم مفتاح عملية التنمية باعتبارهم القوى البشرية التي تحرك عملية التنمية نحو تحقيق الأهداف المنشودة.
ومن هنا كان الاهتمام بالطفولة لتكوين أفراد أصحاء، وجيل قادر على العطاء ومواجهة التحديات لبناء مستقبل مشرق، إن الاهتمام بالطفولة مظهر عالمي، فقد اعتبر عام ١٩٧٩ العام الدولي للطفل، ولم يقتصر الاهتمام على الأسوياء، بل امتد إلى الطفولة المعوقة فاعتبر عام ١٩٨١ عام الطفل المعوق، فقد اهتم المفكرون في الاتحاد السوفيتي بالأطفال وأوضحوا "إن الألقاب والامتيازات قد ألغيت من بلادنا، ولم يعد لدينا أباطرة ولا قياصرة، ولكننا نؤكد دوماً أن هناك قيصراً واحداً سيظل يتمتع بكل الامتياز والتقدير، وذلك هو الطفل، وفي الولايات المتحدة وفي افتتاح المؤتمر الحادي والعشرين للطفولة قال الرئيس الأمريكي: يجب أن تكون الطفولة هي حجر الأساس في بناء مجتمعنا وذلك لأن الطفل إذا أدرك أن وطنه قد حقق له العزة والكرامة ولبى كل حاجاته شعر له بالاخلاص والتقدير والحب".
كيف يتحقق الاهتمام بالطفولة العربية؟
يتحقق الاهتمام بالطفولة العربية إذا توفرت لدينا قناعتين:
1_ إذا اقتنعنا بأن إعداد الطاقات البشرية المتمثلة في أطفال اليوم مطلب رئيسي للتنمية المادية والاجتماعية، على أن يكون الطفل هو محور أساسي في التنمية.
2_ إذا توفرت لدينا ادارة التغيير حتى نلحق بركب التقدم في كل المجالات. قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) .
فإذا توفرت لدينا القناعات السابقة بدأنا بوضع خطة للإنطلاق في تربية مبدعة خلاقة للأطفال تقوم على الأسس التالية:
( أ ) الفهم العلمي لطبيعة الطفل وخصائصه النفسية والعقلية والاجتماعية والصحية ومشكلاته وحاجاته.
(ب ) تحديد السمات والقدرات والقيم والاتجاهات والنماذج السلوكية التي يجب غرسها وتنميتها في الطفل حتى يكون قادراً على صنع التقدم والإنطلاق في كل المجالات أي وضع استراتيجية تحدد ما هو الوضع الأمثل الذي نريده للطفل العربي.
( جـ ) تحليل واقع الطفل العربي، ويشمل ذلك معرفة الأوضاع الاجتماعية وأساليب التنشئة الاجتماعية، والأجواء النفسية والظروف الصحية والتعليمية التي يعيشها الأطفال العرب، وسلبيات هذا الواقع وايجابياته. ومعرفة فيما إذا كان هذا الواقع يحقق تربية مبدعة خلاقة تمكن الطفل من المبادءة والإبداع وتغرس فيه حب العمل والاخلاص مما يمكنه من أن يسهم في رفاهية مجتمعه.
مما سبق يتضح لنا أهمية دراسة واقع الطفل العربي للتعرف على ايجابياته وسلبياته بأسلوب علمي دقيق، وإننا كما يرى فراج في حاجة إلى جهد كبير لندرك أن ثمة خللاً أصاب شخصية الإنسان العربي، وأن سلبياته تعددت وتشابكت وأصبحت تستنزف طاقاته البناءة، وأن علينا أن نجري تحليلاً دقيقاً لعناصر بيئته وأساليب تنشئته، إذا أردنا إعداده لغد أفضل.
إن استثمار أموالنا وجهودنا وعقولنا في تربية أطفالنا وإعدادهم حتمية ملحة حتى لا تدفع الأمة العربية قاطبة الثمن تفريطاً في المستقبل وتكريساً لمواقع التوقف الحضاري. ففي تقرير المدير التنفيذي لليونسيف عام ١٩٨٥ أوضح فيه أن انفاق الأموال في مجال رعاية الطفولة يعتبر أفضل استثمار مادي واجتماعي ممكن، فهو يعطي عائداً اقتصاديًا سنوياً يصل إلى ٢٥ وهو أكبر عائد من السلع المادية، وأنه ليس من الحكمة ترك الأطفال وهم عماد التنمية يواجهون المستقبل باستعدادات هزيلة وإمكانات ضعيفة لا تمكنهم من دعم مجتمعاتهم ودفع عجلة التنمية إلى الأمام.
لقد حثنا ديننا الإسلامي على الاهتمام بأبنائنا وتنشئتهم تنشئة يرضى عنها الله قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً). «سورة التحريم». وقد اهتمت التربية الإسلامية بالنظرة الشمولية في تربية الطفل، فاهتمت بالجوانب الصحية والنفسية والاجتماعية والروحية والعقلية.
واقع الطفولة العربية
لاشك أن دراسة واقع الطفل العربي هو بداية الإنطلاق لتقييم هذه الأوضاع ومن ثم تصحيحها ووضعها في الاتجاه الصحيح. ومن هنا كان لزاما أن نبحث في أوضاع الأطفال في نواحي متعددة.
اضافةتعليق
التعليقات