آلاف الحوامل في لبنان يتعرضن في هذه الأيام إلى صدمات الحرب والقصف، هل يمكن أن تنتقل صدمة الحرب إلى الأجنة ومواليد الحرب؟
تلقي الحرب بثقلها على المواطنين اللبنانيين كافة، خصوصاً أولئك الذين يتعرضون للقصف المباشر ويضطرون إلى ترك منازلهم وقراهم بحثاً عن الأمان. ومن بين هؤلاء تُعتبر الحوامل الأكثر عرضة لأخطار النزوح والأكثر تأثراً في تداعيات الحرب.
وإضافة إلى حاجتهن للرعاية الصحية التي يحتجنها في الحمل، والتي يفتقدن إليها بسبب ظروف الحرب والنزوح، يتعرضن بصورة خاصة لآثار نفسية وضغوط خطرة تنعكس تلقائياً على الأجنة التي يحملنها في أحشائهن، وأشار تقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أكثر من 11 ألف امرأة حامل في لبنان حالياً، ومن المتوقع أن تلد قرابة 4 آلاف منهن في الأشهر الثلاثة المقبلة أي أنهن في مراحل متقدمة من الحمل.
لذا يواجهن تحديات كثيرة بسبب ظروف الحرب، والنزوح، ومشاعر الخوف والقلق التي تغلب على هذه المرحلة، مع ما لذلك من انعكاسات على الأجنة من الناحيتين الصحية والنفسية.
عندما يكون الجنين في خطر
في ظروف الحرب وما يرافقها من نزوح وقصف، تكررت حالات الإجهاض والولادات المبكرة، إذ تتعرض المرأة الحامل حالياً إلى ضغوط كثيرة في هذه المرحلة الدقيقة من حياتها، مما ينعكس على صحتها وصحة جنينها على رغم المساعي لتوفير المتابعة الطبية.
وإذا كانت الحامل أصلاً أكثر هشاشة من الناحية النفسية بسبب التقلبات الهرمونية التي تحصل في جسمها، تأتي الضغوط النفسية التي تتعرض لها بسبب الحرب وتداعياتها، لتعرضها إلى مزيد من الأخطار.
وبحسب الطبيب المتخصص في الجراحة النسائية والتوليد، الدكتور ريشار خراط، تُعتبر الحرب مصدراً أكيداً للتوتر الذي له آثار سلبية عدة في الصحة النفسية للحامل والجنين، وتترافق هذه الظروف مع معدلات عالية من القلق والضياع والخوف على المستقبل والشعور بعدم الأمان، وأضاف خراط "من الآثار المباشرة للتوتر على الحامل، ارتفاع ضغط الدم الذي يعتبر من المشكلات التي لا يمكن الاستهانة بها في الحمل لأثرها السلبي في الحمل والجنين، فهي حالة تؤثر في الأوعية الدموية وفي معدلات التغذية التي تصل إلى الجنين، ومن ثم في نموه.
كما يزيد التوتر من خطر حصول ولادة مبكرة عند التعرض له في مراحل متأخرة من الحمل.
أما التعرض له في أولى مراحل الحمل فيزيد من خطر حصول إجهاض، أما السبب وراء حصول ولادة مبكرة وإمكان خسارة الجنين فيعود إلى ارتفاع مستويات الكورتيزول، ومن ثم زيادة نشاط وحركة الجنين، هذا ما يزيد من خطر ولادته في مرحلة مبكرة".
وكانت دراسات سابقة تناولت تأثير التوتر في الحوامل والأجنة في حروب سابقة، وأظهرت أن الحامل التي تتعرض لمعدلات مرتفعة من التوتر، تواجه مشكلة الإفراط في الأكل مما يسهم في ارتفاع مستويات السكر في الدم، مع ما ينتج عن "سكري الحمل" من تداعيات على الحمل وعلى الجنين.
هشاشة نفسية والضغوط كثيرة
يدرك الكل أن الضغط النفسي يؤثر سلباً في الحامل والجنين، وهي مسألة متعارف عليها، لكن هذا المعتقد لا يستند إلى أسس علمية، بل يتم التمسك به لأن الحامل تكون أكثر هشاشة بسبب التقلبات الهرمونية الحاصلة في جسمها.
لذا من الطبيعي أن يؤثر ذلك تلقائياً في الجنين الذي تحمله، كما يحصل في الحرب مثلاً بسبب ارتفاع معدلات التوتر، وحول تأثير الحرب فيها يوضح الطبيب المتخصص في الأمراض النفسية، الدكتور إيلي عطالله، أن "الوقت لا يزال مبكراً للتحدث عن معطيات علمية توضح طبيعة نتائج الحرب الحالية على الحوامل والأجنة، وما قد تسببه من صدمات للأجنة، فالتصعيد بدأ في لبنان منذ قرابة شهرين فقط لذا لا يمكن التحدث عن أسس علمية ودراسات توثق هذه التداعيات، لكن ما هو معروف في الطب النفسي أنه في فترة الحمل، يحصل النمو الأساسي للجنين، ويتأثر إلى حد كبير في صحة الأم وبالعوامل الموجودة في محيطها، وما هو معروف أيضاً، أن الأمهات اللواتي يتعرضن لضغط نفسي زائد أو توتر، يتأثرن إلى حد كبير على المستوى الصحي والنفسي. كما يؤثر ذلك في نمو الجنين، تماماً كما يحصل لدى التعرض لعوامل محيطة سلبية من كحول وتدخين. وثمة علاقة وثيقة تربط بين الحرب والقصف من جهة، والتوتر والقلق، مما يعرّض الحامل والجنين لآثار سلبية عدة، ويؤثر ذلك بصورة واضحة في نمو الجنين، كما أثبتت الدراسات".
ويضيف "ففي مثل هذه الظروف، تتعرض الحامل لمشاعر القلق والتوتر والخوف مما يؤدي إلى تغييرات في جسمها منها إفراز الأدرينالين والكورتيزول بمعدلات زائدة، وينعكس ذلك على الجنين، ويؤثر أيضاً في الجهاز العصبي لديه، وعندما تتعرض الحامل للضغط النفسي الزائد، ثبت أن ذلك يؤدي إلى تأخر في النمو الفكري للجنين، وفي المستقبل يكون أكثر عرضة لمشكلات نفسية معينة".
في المقابل، يحرص عطالله على التوضيح أن "شخصية كل إنسان ترتبط في جزء منها، بعوامل جينية وراثية ينقلها الأهل إلى الأبناء، إضافة إلى جزء آخر يرتبط بما يتعرض له في محيطه وبيئته من عوامل تسهم في تكوين شخصيته، وإذا تعرض الأهل إلى القلق بمستويات مرتفعة، ينعكس ذلك على الطفل، بغض النظر عن مسببات القلق، وإذا كان الأهل من النوع الذين يعاني قلقاً زائداً في الحياة، يكون الأطفال كذلك".
ويتابع "أما الجينات، فأظهرت الدراسات أنها ليست ثابتة، فبعكس الاعتقاد السائد بأن جينات الإنسان محددة من قبل ولادته وتحدد ما ستكون عليه شخصيته وحياته، تبيّن أنها متغيرة بحسب العوامل التي يتعرض لها في المحيط، سواء كانت إيجابية أو سلبية، من أكل ورياضة وتوتر وغيرها.
انطلاقاً من ذلك، يمكن القول إن الشخصية لها علاقة بما يختبره الإنسان في الحياة، لذلك لا يمكن القول إن الشخصية تظهر عند الولادة وقد تتأثر تلقائياً في عوامل تتعرض لها الأم أثناء الحمل.
إذ لها علاقة بما يختبره الإنسان في الحياة، أما ما يُعرف بالطباع، فمسألة تتحدد من الولادة، لذلك يُلاحَظ أن ثمة أطفالاً اجتماعيين ويتميزون عن آخرين انعزاليين، كما أن ثمة أطفالاً عاطفيين، فيما يبدو آخرون عقلانيين".
ويعتبر عطالله أنه "بالنسبة إلى شخصية الطفل أيضاً، يكون جزء منها موجوداً من الولادة وهو موروث، لكنها تتكون بنسبة 100 في المئة في المرحلة الممتدة من آخر المراهقة إلى أول مرحلة الرشد بحسب الخبرات التي تلعب دوراً جوهرياً في تكوينها، ولا يمكن أن ننكر أنه قد يكون هناك رابط بين الطباع والتعرض للتوتر بمعدلات زائدة أثناء الحمل، مع وجود التغيرات الحاصلة في الجسم في تلك المرحلة، عندها تتأثر الأم والجينات والجنين بصورة تلقائية بسبب التوتر الزائد وتأثيره في الهرمونات التي تفرزها الأم عندها.
ومما لا شك فيه أنه ثمة عوامل بيولوجية تتأثر إلى حد بعيد في العوامل الاجتماعية والبيئية المحيطة بالأمل، فتنعكس على الجنين وتحصل تغييرات معينة، كما في حال التعرض للتوتر أو التلوث أو الأدوية. فكل ما تتعرض له الأم أثناء الحمل يؤثر في الجنين بصورة عامة، بما أن كل شيء ينتقل إليه من خلالها وعبر حاجز المشيمة".
صدمة الحرب أكيدة والأثر ليس حتمياً
انطلاقًا من ذلك، يمكن التأكيد أن الحرب والقصف من العوامل التي تزيد الضغط النفسي والتوتر على الحامل والجنين، وهي مسألة محسومة لا جدال حولها ويدركها الكل.
وبالنسبة إلى عطالله، "قد تكون مواجهة ظروف الحرب بحد ذاتها عامل صدمة للأم والجنين، خصوصاً في حال تعرض الحامل للقصف المباشر، فهذا النوع من الأحداث يوضع في خانة الصدمات في علم النفس، لأنها تحصل بصورة مفاجئة وتشكل خطراً على الحياة، وترتبط بمستقبل مجهول، بما ينطبق على تعريف الصدمة".
ويوضح عطالله أنها "من المشكلات التي نشهدها أكثر لدى من يتعرضن للقصف المباشر في مناطق معينة، وأيضاً في مناطق أخرى إذا ارتفعت معدلات التوتر. في الوقت نفسه، يمكن تأكيد أن القصف لا يشكل صدمة للكل بل إن تأثيره يكون بمستويات متفاوتة بحسب الأشخاص، وإن كان بصورة عامة مصدراً للضغط النفسي والخوف والقلق، ويسهم في تغييرات معينة في جسم الحامل".
ويضيف "في المقابل، صحيح أن التعرض للصدمات والضغط النفسي يؤثر في الحامل والجنين تلقائياً، لكن ما يجب توضيحه هو أن هذا التأثير لا يُعتبر حتمياً وليس من المسائل التي لا يمكن التحكم بها، إذ لا يرتبط تكوين الجنين بعامل واحد حصراً، بل هو مسألة معقدة وترتبط بمجموعة من العوامل التي يتعرض لها". لذا يوضح عطالله أنه "من الممكن عكس هذه العملية، سواء خلال الحمل أو بعده، من خلال إجراءات وعوامل معينة، وحتى إذا كان الطفل مصاباً بحالة معينة، لا يربطها بعامل واحد تعرض له.
انطلاقاً من ذلك، يمكن القول إن تلك العوامل تترك أثراً سلبياً في الجنين بالفعل وهي تدخل في إطار الصدمة التي تتعرض لها الأم وتنعكس عليه، فتؤثر في نموه وفي جوانب أخرى عدة، إلا أن تحقيق التوازن ممكن، ويمكن الحد من هذا الأثر عبر:
- المتابعة الطبية الدقيقة وإجراء الفحوص وحصول الحامل على المكملات الغذائية اللازمة للحمل ولنمو الجنين بصورة طبيعية.
- التركيز على الصحة النفسية للحامل في مثل هذه الظروف للحد من معدلات القلق والتوتر لديها.
-إجراء تمارين التنفس والاسترخاء.
-ممارسة رياضة المشي المفيدة لصحة الحامل الجسدية والنفسية.
- خصخصة أوقات لنشاطات معينة كانت تساعد الحامل على الاسترخاء، أياً كان نوعها.
-الوجود مع المقربين وتمضية أوقات ممتعة برفقتهم مما ينعكس إيجاباً على صحتها النفسية.
-عند الضرورة، من المهم أن تلجأ مباشرة إلى متخصص في الصحة النفسية مع ارتفاع معدلات التوتر لديها".بصورة عامة، يشدد عطالله على ضرورة عدم اعتبار تأثير الحرب في الجنين مسألة حتمية لا يمكن الرجوع عنها، فظروف الحرب التي تعيشها الحامل لن تؤدي إلى ولادة أطفال يعانون مشكلات نفسية، بما أنه من الممكن تغيير الوضع، وصحيح أن الوجود في ظروف الحرب يشكل مصدراً للتوتر ويزيد الضغط النفسي، لكنها مسألة قابلة للتغيير وهناك عوامل تسهم في تحقيق التوازن النفسي المطلوب بما أنه ليس هناك سبب واحد وراء المشكلات والاضطرابات التي يتعرض لها الفرد، وذلك ينطبق على الأجنة، وصحيح أنه بقدر ما تزيد العوامل المسببة التي يتم التعرض لها، يزيد خطر حصول اضطرابات في المستقبل، لكن ليس هناك سبب واحد وراء حصول حالة نفسية، بل هناك تفاعل بين عوامل عدة بيولوجية وبيئية، وهذا ما يجب أن يؤخذ بالاعتبار. حسب اندبندت عربية
اضافةتعليق
التعليقات