«أنا أرتب حين أدرك أن مكاني غير مرتب، ولكنني عندما أنتهي من ذلك، لا يمضي وقت طويل قبل أن تعود الفوضى مجدداً». إنها شكوى شائعة، فيما الجواب القياسي المتوافر في أعمدة النصائح في المجلات هـو: «لا تحـاول ترتيب كل منزلك دفعة واحدة، فسوف تخفـق. اعتـد على ترتيب القليل في كل مرة ».
صادفت هذه العبارة للمرة الأولى حين كنت في الخامسـة من عمري. فقد كنت الطفلة الوسطى بين ثلاثة أولاد ، وتربيت بقدر كبير من الحرية. إذ كانت أمي مشغولة بالاهتمام بأختي الصغيرة المولودة حديثاً ، فيما أخي الذي يكبرني بسنتين كان مسمراً دوماً أمام شاشة التلفزيون للعب ألعاب الفيديو. ونتيجة لذلك، أمضيت معظم وقتي في المنزل بمفردي. وبينمـا أكبـر، كانـت هوايتي المفضلة قراءة المجلات الخاصة بسيدات المنازل. فقد اشتركت أمي بمجلة ESSE ، وهي مجلة مليئة بالمقـالات حـول الديكور الداخلي، وكيفية جعل العمـل المنزلي أسهل، بالإضافة إلى لمحات عن المنتجات المتوافرة في الأسواق. وبمجـرد وصـول المجلـة، كنت أخرجها مـن صندوق البريد قبل أن تعـرف أمـي بوصولهـا، ثـم أفتح المغلف وأغوص في المحتويات.
وفي طريق عودتي من المدرسة إلى المنزل، كنـت أحب التوقف أمـام المكتبـة وتصفح مجلـة Orange Page وهي مجلة طبخ يابانية شعبية. لم يكن بوسعي قراءة كل الكلمات، لكن تينك المجلتين بما تتضمنانه من صور للأطعمة اللذيذة ، والنصائح المذهلة حول كيفية إزالة البقع والدهون وتوفير المال، كانتا مذهلتين بالنسبة إلي، وكنت أطوي زاوية الصفحة التي تلفت انتباهي وأحلم بتطبيق النصيحة.
أعـددت أيضـاً مجموعـة مـن «ألعابـي» بمفـردي. فعلى سبيل المثال، بعد أن قرأت ذات مقالاً عن توفير المال، أطلقت فوراً «لعبـة توفير الطاقة» التي تقوم على التجول في المنزل، وإطفاء كل الأشياء غير المستعملة ؛ رغم عدم معرفتي بأي شيء عن عدادات الكهرباء. وبعد قراءتي مقالاً آخر، ملأت قنينة ماء بلاستيكية بالماء، ووضعتها في خزان المرحاض في «مباراة فردية لتوفير الماء».
وثمة مقـالات عـن التخزين ألهمتني بتحويل علب الحليب الكرتونية إلى فواصـل فـي أدراج مكتبي، وإعداد رف للرسائل من خلال تكديس علب أشرطة الفيديو الفارغة بين قطعتي أثاث. وفي المدرسة، فيما جميع الأولاد يلعبون لعبة « اللقيطة »، كنت أنسحب بعيداً لأعيد ترتيب رفوف الكتب في صفنا، أو أتحقق من محتوى خزانة أدوات التنظيف، فيما أتذمر من طرائق التخزين السيئة. « لو كانت هناك علاقة على شكل S لكان الاستعمال أسهل بكثير». لكن كان، ثمة مشكلة واحدة بدت غير قابلة للحل. فمهما حاولت الترتيب، لـم يـكـن وقت طويل يمضي قبل أن تعود الفوضى مجدداً إلى أية مساحة كنت قد رتبتها. إذ كانت الفواصـل الكرتونية التي صنعتها من علب الحليب في درج مكتبي تمتلئ بالأقلام بسرعة.
رف الرسائل المصنوع من علب أشرطة الفيديو فيعج سريعاً بالرسائل والأوراق، حيث ينهار على الأرض. وفي ما يتعلق بمهارات الطهو أو الخياطة، تستطيع الممارسة جعل المهارة مثالية. لكن، رغم كون الترتيب عملاً منزلياً، إلا أنني لم أفلح قط في تحسين مهارتي مهما كررت ذلك. فما من شيء بقي مرتباً لوقت طويل.
كنـت أواسي نفسي بالقول: « لا جـدوى مـن الأمـر. فعـودة الفوضى مسألة محتمـة. وإذا حاولـت إنجـاز المهمـة دفعـة واحدة فسـأصاب بالإحباط». إذ كنـت قـد قرأت هذه العبارات في العديد من المقالات المرتبطة بالترتيب، وافترضتُ أنها صحيحة. ولو أنني أملـك الآن آلـة زمنيـة، لعدتُ إلى الوراء وقلت لنفسي: « هذا خطأ. إذا استخدمت الطريقة الصحيحة، فلن تخفقي أبداً» .
يربط معظم الأشخاص كلمة « إخفاق » بالحمية الغذائية. لكنهم حين يسمعونها في سياق الترتيب، يبقى لها معنى مفيد. يبدو منطقياً أن التخفيض المفاجئ والجـذري في الفوضى يمكن أن يكون لديه التأثير نفسه للخفض الجذري للوحدات الحرارية؛ فقد يكون هناك تحسن قصير الأمد، ولكنه لن يدوم طويلاً. لكن، لا تيأس. فما إن تبدأ بتحريك المفروشات والتخلص من الأشياء، حتى تتغير غرفتك. الأمر بسيط جداً. إذا رتبت منزلك في جهد واحد وكبير، فستكون قد رتبت كل شيء بشكل كامل. لكن الفوضى قد تعود لأن معظم الأشخاص يعتقـدون خطـأ أنهـم رتبوا كل شيء، فيمـا يكونون في الواقـع قـد قـامـوا بفرز الأشياء وتخزينهـا بصورة جزئية. إذا رتبت منزلك بطريقة صحيحة، فستتمكن مـن إبقـاء غرفتـك مرتبة على الدوام؛ حتى لو كنت كسولاً أو فوضوياً بطبيعتك.
اضافةتعليق
التعليقات