يقول أهل اللغة إن العيد من "العود" أي الرجوع، فكل مايعود على الإنسان من ذكريات ومناسبات عزيزة سواء شخصية أو دينية فيحتفي بها فهي عيد .
والله تعالى كما أكرمنا بمواسم عبادية نتقرّب إليه من خلالها، ونقطع أشواطا في سيرنا التكاملي نحوه، فقد ختم لنا تلك المواسم بأعياد نحتفل فيها بعودة أرواحنا إلى طهرها ونقائها الفطريين، وقد خلعت عنها ربقة الذنوب، وتوضأت بفيض النور خلال تلك المواسم النيّرة .
فبعد فريضتي الصيام، والحج؛ نعود إلى فطرتنا الخالصة من كل رين، والصافية من كل الشوائب والكدورات؛ لذا نحن في حالة فوز وانتصار، ونستحق الجائزة والتكريم من الله، وهذه الجوائز تُسلّم لنا يوم العيد؛ فقد ورد في الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله: إذا كان أول يوم من شوال نادى منادٍ: أيها المؤمنون اغدوا إلى جوائزكم، ثم قال: يا جابر جوائز الله ليست كجوائز هؤلاء الملوك، ثم قال: هو يوم الجوائز .
و للحجاج جوائزهم بعد حجّهم؛ فلا يعود الحاج إلا وقد غفر الله ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر كما ورد في مضمون الكثير من الروايات.
وبالرغم من إن الأطفال لا يدركون الحكمة من العيد، ولا يفقهون أبعاده العبادية والفلسفية، لكنهم الأكثر فرحا وسعادة بقدومه، والأشد حرصا على الاحتفال به .
فالعيد من زاوية نظرهم الطفولية يعني الملابس الجديدة، والجيوب المليئة بالعيديّات والحلوى، والزيارات العائلية، والنزهات وما يكتنفها من المرح واللعب، والأهم من كل ذلك الغياب عن المدرسة بلا عقاب أو عتاب !
وكم نحتفظ في عمق ذاكرتنا من مشاهد أعياد طفولتنا، وذكريات أثيرة على القلب، عصيّة على النسيان، وبالرغم من بساطة تلك الأعياد لكنها مفعمة بالروعة والحميمية .
العيد في طفولتنا كان يأتي بكل ماهو جديد واستثنائي لا يحصل في الأيام العادية؛ فما كنا نلبس الجديد إلا في العيد، لذا كنا ننام ونحن نحتضن تلك الملابس ليلة العيد وكأنها كنز ثمين، وما كنا نأكل الحلويات كل يوم؛ لذا كان للحلويات التي تعدّها أمهاتنا في العيد مذاق آخر، وحتى صوت التكبير في غداة العيد كان له وقع على النفوس، وبصمة لا يُمحى أثرها .
أما الألعاب والمراجيح الشعبية التي كانت تقام في بعض الساحات أيام العيد حصريا فتلك حكاية أخرى، بما تبعثه في نفوسنا من مشاعر فرح وبهجة لا يمكن وصفها بالرغم من بساطة وسذاجة تلك الألعاب قياسا بمدن الألعاب والمتنزهات في وقتنا المعاصر.
ولا تسأل عن عيدياتنا فقد كانت أموالا مقدّسة لا يجوز العبث بها؛ بل يُنفق جزء منها فقط، ويُدّخر الباقي لمشاريع مستقبلية تكمل فرحة العيد، بما تضيفه من أحلام وتوقعات .
أعيادنا في تلك الأيام كانت أعيادا بما تحمله الكلمة من معاني ومشاعر لا يمكن قياسها بأعيادنا اليوم؛ لأن وقتنا الحالي مزدحم بكل ماكان يحصل حصريا في العيد؛ لذا - حسب اعتقادي- فقدت أعيادنا المعاصرة ألقها ونكهتها المحببة، وذلك الشعور المليء بالإثارة كحكايات ألف ليلة وليلة ..
اضافةتعليق
التعليقات