الساعة السادسة والنصف، المنبه يرن، صوت امي يرتفع مناديا اياي، رائحة الإفطار اخترقت احاسيسي، لعل هذه الاحداث من ابرز ماسنراه في الروتين الذي سيستمر لفترة ويخبرنا انها ايام الدراسة، استيقظت مسرعة غسلت وجهي وانا مبتسمة رغم انني استيقظت مبكرا لكن اليوم سألتقي بصديقاتي اللاتي اشتقت اليهن حد البكاء عدت نحو الادراج وانا اقفز كل اثنين معا لعلي اختصر المسافة نحو الزي المدرسي الذي يكبلني بشعور غريب يتمحور مابين المسؤولية والطفولة.
يوم اشبه بحلم وردي تملؤه ازهار الياسمين والاقحوان، تجمعت كل انواع الفرح داخلي والاكثر من ذلك انه العام الاخير الذي سأرتاد به الثانوية، سأخرج من قيود الزي بل سأصبح كبيرة لدرجة تحمل مسؤولية قراراتي، تقدمت نحو الباب الامامي استنشق الشوق ركضت نحو ساحة المدرسة وفي كل خطوة ترسم بصمة امل، احتضنت صديقاتي اللاتي افتقدتهن طيلة ايام العطلة، اصدقاء الدراسة اخوات من نوع اخر، هم اجمل من يبتسم في طابور المدرسة واروع من يقف على عتبات الصف ليخبرنا بقدوم مدرسة بل هم اجمل من يجتمع في نهاية الصف لجلسة سمر لاتتعدى خمس دقائق ولكنها تعني لي يوم بأكمله، كل شيء جميل بوجودهن فأتأرجح مابين (ليت الساعات تتوقف ولاتفرقنا الطرق ومابين امنية التخرج لأدخل عالم جديد اكون به انا)..
رن الجرس وارتفعت معه الضحكات، تقدمنا لنقف في الطابور وكأننا اطفال نود ان نقف بالمقدمة لنستمع لما تتليه مديرة المدرسة لنردد معها ماستقوله لأننا حفظناه، لكن ما الفائدة من كلام لايطبق، نأمل ان يتغير الوضع فالان نحن مرحلة منتهية وحتما انها ستسعى لنكون من افضل المدارس او على الاقل نرسم بصمة في تأريخ الثانوية، كان حلمي يختلف هذا العام فأنا على مفترق طرق، كنت اتأمل ان المديرة ستضع لنا اكفأ المدرسين فنحن في مرحلة حرجة ولسنا حقل تجارب لتكون اول حصة لنا هي اللغة الاﻧكليزية..
اوه مااجمل تلك الحصة ومااروعها فهي حصة متاح فيها كل شيء، ابتدأت بتصفح اولى الاوراق وهي تختصر الحديث وكأنه يشترى بالنقود ثم تقول: (هذا شرح سابقا في المرحلة الخامسة ثم ان هذا شيء بديهي وهذا يعتمد عليكم، هذا ليس بتلك الاهمية مؤكد انكم تعرفونه، وهذا ليس بالصعب واغلبكم قد تهيأ منذ العطلة الصيفية لدى مدرسين اكفاء)، ربما غاب عن نظرها ان الاكثر لايملكون اجور سماسرة العلم، وهكذا انتهت الحصة بسلام وانتهت معها قرابة عشر اوراق واربع قواعد مهمة كان يجب توضيحها..
وهكذا بدأت الحصة التالية واستمرت حصة تلو اخرى على هذا الحال ولم يستمع احد لنا حين قررنا ان نرفع صوتنا بل ان الجواب الذي جعلنا نتكأ على خيوط العنكبوت هو من ادارة المدرسة حيث قالت غاضبة (انتم لستم اعلم مني حين وضعت الكادر) اوه استاذتي نحن فعلا لسنا اعلم ربما هي عقولنا اعتادت السبات وقررت الصمت لتخضع لهكذا عقول لاتعرف معنى المسؤولية، انه عام سيء يشير الينا اما النجاح والذهاب الى الجامعة او ينتهي طريقنا التعليمي الى هذا الحد..
وهنا لابد ان يتبادر الى الذهن هذا السؤال: ماهي المسؤولية وهل لضعف المسؤولية علاج؟
المسؤولية بمعناها البسيط هي استعداد الانسان لدفع فاتورة كل امر يأخذه على عاتقه، ويمكن ان يكون هذا الامر عمل او قرار او عملية او ممارسة، وان من اهم المؤسسات التي يجب ان تتحلى بكامل المسؤولية دون تخاذل ولايغفر لها تقصير، هي المؤسسات التعليمية فهي التي تربي جيلا بكامله فأما ان يتخرج جيلا مثقفا واعيا مدركا لمعنى الحياة او ان يتخرج من بين طياتها جيلا لايحمل شتى الخصائص التي تأتي بها (اخلاق، تربية، تعليم) فالمدرسة هي البيت الثاني الذي نمضي به معظم وقتنا وربما اكثر الوقت واي خلل يحصل يكون قد ترك اثرا في جيل كامل..
ثم ان المسؤولية لاتقتصر فقط على المؤسسات التعليمية بل تتوسع الحلقة الى جميع المؤسسات وتخترق فيما ذلك حلقة الاسرة وهي الحلقة الاولى التي ينطلق منها الطفل والتي تبني فيه اهم الاسس وكذلك هي الاخرى تبدأ مهمتها بتعميق مفهوم المسؤولية لانها روح الحياة وسر التقدم، وهي تعني أن يكون الإنسان مُكلَّفاً بتأدية واجبات معيّنة لابد له من تأديتها حيث تُلقى على عاتقه، بحيث يكون مُحاسباً عنها وعن نجاحه أو إخفاقه فيها من قبل طرف آخر.
يمكن القول أنّ هناك أهميّة كبيرة للمسؤوليّة على الصعيدين: الفردي، والجماعي، وأنّها أساسيّة جداً في بناء الأمم، والحضارات، وفي بناء لبنات المجتمع الأساسيّة وهي الأسر.
العلاج لضعف الشعور بالمسؤولية؟
واهم ما يترتب لعلاج ضعف المسؤولية هو تذكر مبدأ اساسي ومهم في هذه الحياة وأخذه بعين الاعتبار ألا وهو مبدأ الثواب والعقاب وهذا المبدأ يتوجب ترسيخه في ذهن الانسان منذ الطفولة واتخاذه منهجا للسير عليه، ليتعلم الفرد انه كما له حقوق يطالب بها كذلك عليه واجبات لا بد له القيام بها، وتنبيهه بذلك بين الحين والآخر الى اي تقصير، قال تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) الذاريات: 55.
وتصحيح اغلب المفاهيم الخاطئة التي استحوذت على عقول الاشخاص ممن لايملكون الشعور بالمسؤولية ليعلموا ان الله تعالى لم يخلقهم عبثا بل اختبارا للعمل والبذل والعطاء، والبدأ بتنمية حس المسؤولية منذ الطفولة من خلال اسناد بعض المهمات اليهم بحيث تتناسب مع مراحلهم العمرية ثم التدرج مع سنهم ليعتادوا على تحمل المسؤولية مع مراقبتهم، ثم اشباع افكارهم بأن عزة الاسلام والنفس تكمن بمفهوم تحملهم للمسؤولية والقيام بها على اكمل وجه بما لايخالف شرع الله ولنا في رسوله الكريم صلى الله عليه واله الاسوة الحسنة.
فمتى ما استطاع الإنسان تحمّل مسؤوليّاته المختلفة، هذا يعني أنّه سيبذل الجهد المطلوب حتى يكون أهلاً لها، ممّا تعود عليه بتقوية شخصيّته، وتعريفه بأفضل الأساليب لتجاوز المواقف، والمشكلات المختلفة التي قد يتعرّض لها، إلى جانب تقوية علاقاته الاجتماعيّة بالآخرين، وتحويله إلى شخص ناجح في مجتمعه، ومحيطه.
اضافةتعليق
التعليقات