يبدأ الفوز بالمواجهات والجولات الجدلية بالتحكم في ردود الأفعال والانفعالات، وأهم ما يميز خبراء فن المناظرة عن الهواة هو قدرتهم على التحكم في المشاعر والانفعالات الشخصية، بالإضافة إلى أسلوبهم في الحديث ومناورة الخصم. كما يعتمد على الاستعانة بالأساليب الجديدة وغير التقليدية في إدارة دفة الحوار .
وفي واقع الحال، إن فن المناظرة ماهو إلا مباراة عقلية يتقن محترفوها التعبير من خلالها عن وجهات نظرهم واختيار أنسب أساليب التعبير وتحديد أفضل توقيت لطرحها. وإنه الفن الذي يهدف إلى الفوز في المواجهات الجدلية دون حاجة إلى الصوت العالي أو اثارة مشاعر الغضب والحنق أو الدخول في صدامات مع الطرف الاخر أو دون إهانة أو احراج أي شخص بما فيهم أنت شخصياً .
هذا ماذكره روبرت ماير في كتابه إدارة المواجهة، وهذا يعني أنه بإمكان الشخص السيطرة على مشاعر الغضب والسلبية التي تعتريه في أوقات الصدام والنقاش الحاد دون اللجوء إلى رفع الصوت للتغلب على الطرف الأخر، فهنا يكمن الاختبار الحقيقي للشخص في إيمانه وثقافته وهذا ما أشارت اليه أحاديث أهل البيت عليهم السلام .
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "اللِّسَانُ مِيزَانُ الانسان".
تعتبر أحاديث أهل البيت صلوات الله عليهم رسالة مكتملة الأركان تطرح الأخلاق بطريقة جداً دقيقة فنرى من خلالها مدى انتمائنا لهذه المدرسة المباركة وكمية الالتزام في رسائل الله من خلال أحاديث أهل بيته فاللسان هو ميزان كما وصفه الامام علي "عليه السلام" لأن من خلاله ينطلق الانسان في نشر ما يمليه خاطره ومايستوجب عليه الموقف لتحكيم العقل فهو أمام خيارين في ذلك الوقت فمن صان لسانه فهو في مأمن من شر الفتن التي تعتريه فتخبطه عن رؤية الحق وأما الذي يدع لسانه دون ربط جأش وكأنه يحمل سيفاً مشحوذا يسقط كل من رآه في طريقه بنقاشه الحاذق دون ردع لأنه لم يستطع صون لسانه فسيطرت أهوائه وآرائه لتأخذ مكان الحكمة والصواب في لحظات احتياجها.
فمن خلال طريقة الكلام نستطيع اكتشاف الشخص لانه يساعد على ازالة القناع المتلبس فيه خصوصاً ان كان من المنافقين الذين يجملون ما يتكلمون فيه وعند اثارة غضبهم في ابسط الامور تظهر بواطنهم الخفية . فان قدرة الانسان في اثبات صحة رايه وتقبلها من قبل الطرف الاخر يحتاج الى قواعد تنبثق من خلال غوصه العميق في الحياة والعلم وليس الى العناد والصراخ بالصوت العالي لانه دليل على ضعف الانسان وعدم قدرته على ادارة نفسه وعدم إيمانه بها فيرى في صوته المرتفع قوة واثارة للرعب في نفوس من هم امامه لم تطرق مسامعه الايه الكريمه "ان انكر الأصوات لصوت الحمير".
فأعتبارنا شيعة ال لبيت يكن إلزام ان نتخلق بهذه الخصلة التي اشتهر بها قادتنا وأئمتنا الا وهي قدرتهم على التحكم في مشاعر غضبهم في احلك الظروف واشدها قسوة عليهم فكانت يتمتعون بالحلم والتسامح والصفح مما زادهم شرفاً ورفعة وتخليدا.
ومن الأمور التي تفرض علينا أن ننظر إليها وهي تأثرنا بالضغوطات الخارجية التي تزيد النيران حطباً كي نتجنب وقوعنا كفريسة لهذه المؤثرات لذلك يجب أن نحكم العقل والسيطرة على كمية السلبية التي تحيطنا في حينها، وكذلك الواقعية التي تجعل من الأمور أسهل مما هي عليه وتخفف من استخدام التزمت بالرأي وتقبلنا للطرف الآخر أيضاً بالإفصاح عن مواطن الضعف ومحاولة تقويتها، وإن عدم الإلمام بالأمور تجعل الانسان يرتكب خطأ لأنه يحيط رأيه بتوقعاته وأمانيه فقط ليجعل المساحة لتقليل التوترات القائمة أقل مما عليه في تقبل الرأي المخالف لرأيه.
ولمعرفة الحقائق أثراً كبيراً في إنهاء الصراع الناتج عن اختلاف وجهات النظر لأن معرفتها توسع رؤية الشخص لينظر للأمر من عدة جوانب ولا يتقوقع في دائرة ضيقة مظللة بالأهواء والقناعات الشخصية فقط، وكذلك تأثير الانطباع والذكريات والمشاعر تعيد الشخص إلى نقطة العناد والتشبث بالرأي دون السماح للطرف الاخر بالإفصاح عن رغبته وابدائه الرأي لتتشكل دائرة صراع مغلقة.
بالتالي فإن الوصول إلى نقطة اتفاق تحدد عن طريق انتقاء درجة الصوت والحالة المزاجية اللتان تساعدان الشخص للفوز بالمواجهات دون اللجوء إلى المشاحنات، أي إنه يجب اللجوء إلى أساليب أكثر دهاءً وحيلة لتستطيع خلق تغييرات في مجرى الأمور دون اللجوء إلى الحجج والتصريحات التي تستدعي اثبات صحة وجهة نظرك، وهذه المرحلة توجب عليك الصبر والتريث في جميع خطواتك كي تستطيع أن تكسب الشخص المقابل وتسيطر على أفعاله ومشاعره وكذلك عواطفه دون أن تتجنبها حتى .
فالتحكم في المشاعر يحتاج إلى تقبل الرأي والصبر وعدم التسرع في الرد على الموقف وكذلك السيطرة والمعرفة الكاملة بالخواطر التي تجوب في داخل الانسان كي يستطيع أن يصل لنفسه ويصبح باستطاعته ادارة عواطفه ومشاعره.
اضافةتعليق
التعليقات