عادةً الكثير ممن يلتزمون بعادة القراءة، يختلفون في عدد الكتب التي يطالعونها، وكذلك طبيعة تقسيم أوقاتهم، ولكن بشكل عام كتاب واحد في الشهر هو ما يغلب على عموم الناس.
ومفردة آخر السنة وكتاب آخر شهر في السنة، يأخذنا إلى مفهوم الخواتيم والنهايات، إذ ورد هذا المعنى في كتاب الله، إذ قال تعالى: {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}(الإسراء :14). فختام كل سنة هي ختام رحلة ومرحلة من عمر كل واحد منا، كان قد كتب قصته الفريدة، وتم تدوينها في ذلك العالم من قبل ملائكة السماء.
ولكن أئمتنا (عليهم السلام) نبهونا وأرشدونا إلى ألا نكتفي بصناعة القصة، والاعتماد على أقلام الملائكة المُدونة، بل لنكتبها نحن بأقلامنا، ندون فيها أعمالنا، مشاعرنا، نوايانا، خططنا، مناجاتنا، تضرعنا، مشكلاتنا، إنجازاتنا..
الإمام علي (عليه السلام) قال: "ما أحق الإنسان أن تكون له ساعة لا يشغله شاغل، يحاسب فيها نفسه، فينظر فيما اكتسب لها وعليها في ليلها ونهارها"(١)، بل والإمام الكاظم يجعل ذلك علامة من علامات الانتماء الحقيقي لهم عليهم السلام، بقوله: "ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل خيرًا استزاد الله منه وحمد الله عليه، وإن عمل شيئًا شرًا استغفر الله وتاب إليه"(١).
فالمحاسبة ليست أمرا مذموما كما يراه البعض، ويتهرب منه ويستثقله ويتجاهله البعض الآخر إلا القليل، وكأنه سيجلد به ذاته، ويحتفظ بخيباته، وفشله، سقطاته، وذنوبه، متجاهلاً أنه بشر، وحياة كل إنسان مهما نجح وعلا لا تخلوا من المشكلات والمحاولات غير الناجحة، من البلاء والمرض، ومن الفقد والوجع.
إذن فالمحاسبة أن تحصي كل شيء، أن ترى (من) أنت، و(ما) أنت من خلال ما تكتبه من أحداثك اليومية، كبيرها وصغيرها، المهم وحتى البسيط والعابر منها، كل ذلك يجعلك تصنع قصتك بإتقان عام بعد عام.
لأنك ستعرف مواطن قوتك وضعفك، مواضع نجاحك وفشلك؛ فلا تكرر الأخطاء، ولا تغفل عن العِبَر والدروس التي قد لا تكون ملتفتاً لها بمجرد الاستذكار الذهني لعمق الرسائل والحكمة التي قد يلهمك تعالى إياها أثناء تدوينها في تلك اللحظات.
لذا من المُستحسن أن يكون لكل واحد منا مفكرة، أو دفتر يبقى معه طوال العام، يكتب فيه ما يتمكن من كتابته عن ما يجري معه، ولتكن هي رحلته التي يحاسب فيها نفسه، ثم في نهاية السنة يكون هو آخر كتاب تم قراءته، ويقوم من خلاله بتقييم قصته بنفسه.
-------
اضافةتعليق
التعليقات