إنَّ العقل البشري دائمًا يسعى إلى فهم من حوله من خلال مجموعة من الصناديق الجاهزة، فيستخدم التعميم ليسهل عليه إلقاء الحكم من غير استثناء، فالتعميم هو وضع المتفاوتات في مرتبة واحدة من غير برهان، ويسميه بعضهم “القفز إلى الخاتمة” وذلك لسهولتها، ولإنهاء الموضوع.
فالتعميم هو القانون المنطقي الذي يحلل التفسير الشامل من خلال ملاحظة المحدود، كلنا نعمم الأشياء، أي أننا جميعًا نعلق تعليقات واسعة حول مجموعة من الأشخاص أو الأشياء، نقول أشياء مثل: “بغض النظر عما يقولون، لا يهتم الباعة قليلاً بالأشخاص الذين يبيعون لهم، إنهم يريدون فقط أموالك”، نقول هذا لأننا قابلنا العديد من الباعة، سمعنا من أصدقائنا عن العديد من الباعة، نحن نعمم كل يوم، وهو أمر قد يكون ضار للغاية.
ما لم تكن تعرف ما تفعله، فقد يكون إجراء التعميمات عملاً محفوفًا بالمخاطر، عندما لا يتم إجراء العينات والتعميمات الخاصة بنا بشكل صحيح، فإنها تسمى “التعميم المتسرع”، هناك بعض التعليقات على التعميمات، خاصة حول كيفية جعلها جيدة، حيث يجب أن تعتمد التعميمات على عينات مأخوذة من فصل، وليس على دراسة الجميع أو كل شيء في الفصل، والتعميم قد يكون قوياً أو ضعيفاً.
أنواع التعميمات وفائدتها
– تعتبر التعميمات مفيدة لأنك لست بحاجة إلى دراسة كل شيء في الفصل قبل أن تنتهي، إذا كنا نحاول معرفة ما إذا كان جميع السياسيين فاسدين، فسيكون من الممل للغاية فحص كل سياسي كان موجودًا على هذا الكوكب للتحقق مما إذا كانوا قد أخذوا رشوة مثلا من قبل.
– لذلك نحن نعمم ومع ذلك لا تعرف أبدًا ما إذا كان تعميمك صحيحًا تمامًا إلى أن تفحص كل سياسي على حدى، هناك دائمًا فرصة للعثور على شخص غير فاسد لاحقًا.
– لذلك يجب أن نقول إن التعميم لا يمكن أن يكون صحيحًا أو خاطئًا؛ يمكن أن تكون قوية أو ضعيفة فقط، التعميم القوي هو الذي من المرجح أن يكون صحيحًا.
التعميمات الضعيفة:
يجب الإطاحة بأي تعميم، أو على الأقل تعديله، من خلال قضية مخالفة واحدة، على سبيل المثال إذا درست 3.000.000 سياسي في جميع أنحاء العالم ووجدت أنهم جميعًا فاسدين، فقد أعمم أن جميع السياسيين فاسدون، لكن إذا وجدت سياسيًا واحدًا لم يكن فاسدًا، فسيتعين على أن أطرح تعميمي أو على الأقل تعديله، جميع السياسيين -باستثناء واحد وهو فلان- فاسدون”، أو “جميع السياسيين الذين درستهم فاسدون”، أو الأفضل من ذلك، “معظم السياسيين فاسدون”.
التعميمات القوية:
يصبح التعميم أقوى من خلال إيجاد عينة أكبر والعثور على المزيد من العينات التمثيلية: التعميم الجيد هو الذي يفحص عينة كبيرة موزعة على جميع أركان الفصل قيد الدراسة.
في العالم الحقيقي، هناك العديد من الحالات التي يصبح فيها التعميم إستراتيجية جيدة لاتخاذ القرارات، لكنه ليس ضروريًا لأن القواعد موجودة بالفعل لتحكم مثل هذه المواقف، يقول ليفن: "هناك العديد من المشكلات المتعلقة بالعمل الجماعي في عالمنا التي يمكن حلها بالتعميم، لكنه تم حلها بالفعل من خلال التنظيم الحكومي، إننا لا نعتمد على الناس للقيام بمثل هذا النوع من التفكير، إننا نضع قانونًا يمنع ركوب الحافلة دون دفع التذكرة".
ومع ذلك، يمكن للتعميم أن يكون مفيدًا في المواقف التي تظهر فجأة قبل وضع أي تنظيمات أو إرشادات حكومية، فعلى سبيل المثال في بداية جائحة كوفيد-19 وقبل أن تبدأ بعض الحكومات المحلية في فرض ارتداء الأقنعة في الأماكن العامة، فإن الأشخاص الذين كانوا يرتدون الأقنعة تساءلوا ماذا سيحدث لو قرر الجميع عدم ارتداء الأقنعة.
يأمل الباحثون الآن في استكشاف الأسباب التي تدفع الناس لعدم استخدام التعميم في مواقف يمكن تطبيقه فيها مثل مواجهة تغير المناخ، وفقًا لليفن فالتفسير المعقول لذلك هو أن الناس لا يملكون معلومات كافية بشأن الأضرار المحتملة التي قد تنتج عن أفعال معينة.
هذه النظرة العمومية لا تدع مجالاً للاستثناء فتحرق الأخضر واليابس, ففكرة التعميم تجد رواجًا عند فئة كبيرة في المجتمع وذلك لأنها لا تجلب الجهد ولا العناء في التفكير والبحث, فمن السهل أن تقول إن كل الشعوب الأفريقية متخلفة, أو أمريكا كلها تكره الإسلام, أو أنَّ الأطباء في هذا المستشفى لا يعرفون الطب, أو أصحاب المذهب الفلاني كلهم مبتدعة, أو جميع القضاة ظلمة, إنَّ هذه العبارات مختصرة وفي قوالب جاهزة لا تجلب العناء, ومع أنها عبارات قوية, إلا أنا نجد صاحبها يقولها بكل سهولة ومن دون تفكير, وما إن تستدرك عليه هذا التعميم إلا وتجده يرميك بأنك جاهل, علماني, موالي للغرب, سفيه, ليس لديك علم, فاسق, وذلك من القوالب الفكرية الجاهزة التي لا يعرفُ معناها أيضًا, وكأنه بتعميمه هذا بات أشبه بذلك الدكتور الذي يعمم وصفته الطبية لكل مرضاه فيعطي دواء محددًا للذي يعاني من صداع ويعطيه أيضًا للذي يعاني من مرض في الأمعاء!
وإذا رجعنا إلى هذه الأحكام الصادرة من المعمِّم لرأينا أنها صدرت من شخص رأى أو سمع موقفا مسيئًا من أحدهم, فسمح لعاطفته بالتأثير عليه, فأطلق حكمه العام على ذلك الشخص أو تلك المجموعة أو البلد, استنادًا إلى مثال أو مثالين فقط, فالتعميم لا يكون صحيحًا غالبًا.
التعميم ليس من مسلك الحكماء ولا العقلاء، وإنما هو نتيجة لسببين:
السبب الأول: قلة العلم والخبرة، وهذه الحالة يلجأ إليها الطفل غالبًا وذلك لقلة علمه وخبرته وصعوبة تصنيف الأشياء من حوله، فتجده يمر على قطة فيقول بابا هذه قطة، ويمر على كلب ويقول بابا هذه قطة، ويمر على حصان ويقول هذه قطة، وذلك لأنها حيوان وأنها تمشي على أربع فنجد الطفل لقلة علمه وخبرته لا يفرق، وهذه مرحلة عمرية لا يلام عليها الطفل لكننا نلوم من تستمر معه هذه المرحلة حتى يصبح رجلا بتفكير طفل فنجده لا يستطيع التمييز بين المجتمعات أو الجماعات فيعمم.
السبب الثاني: التعصب سواء الديني أو القبلي أو غيرها، فتجد المتعصب يستخدم صندوق التعميم وذلك لإسقاط المذاهب الأخرى لنصرة مذهبه، فنجده يقول إن كل السنّة مبتدعة، أو كل الشيعة كفار، فهذا مرض تفشَّى في الأمة الإسلاميَّة وفيه من الظلم مالا يخفى، فنجد رجل دين تكلم في مسألة فتجد أعداءهُ لا يخطِّئون هذا الرجل بل يخطئون كل أتباعه، وذلك فيه من تحميل الناس مالا يستحقون، فلقد فصَل الله في هذا الحكم وحرمه، أي التعميم فقال: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”.
إنَّ استخدام ألفاظ مثل غالب، أغلب، كثير، أكثر، قليل، أقل، يظل أقرب إلى السلامة من استخدام جميع، كل، عامة، لأنَّ الألفاظ الأولى تترك مجالاً للاستثناء، ويقول الدكتور عبد الكريم بكار: “إن التعميم المفرط من أكثر أخطاء التفكير شيوعًا، وذلك بسبب عجز معظم الناس عن إصدار أحكام مبنية على رؤية تفصيلية منصفة”.
اضافةتعليق
التعليقات