كانت الزهراء في بداية تكوين المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة صغيرة السن ولما تكمل عامها الثامن، إلا أنها كانت عارفة واعية بالعلم الرباني اللدني وبالعصمة الإلهية التامة، بحيث أنها أدت دوراً مهماً في نشوء المجتمع الإسلامي الجديد، وامتازت بإخلاصها الشديد وتفاعلها مع الأحداث واستيعابها للرسالة السماوية..
وبالرغم من وجود نساء أخريات في بيت الرسول الأكرم، لكنها نالت مرتبة سامية وعالية عند الله سبحانه وتعالى وفي المجتمع الإسلامي، وذلك بفضل اصطفائها من عند الله وإخلاصها وزهدها وعبادتها وإنفاقها وجهادها وصبرها وتحملها في سبيل الله..
فأدت الدور الملقى على عاتقها بأحسن وجه، فاستحقت أن تكون سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
وفي الحديث عن المفضل قال: قلت لأبي عبد الله: أخبرني عن قول رسول الله في فاطمة أنها سيدة نساء العالمين أهي سيدة نساء عالمها؟
فقال: «ذاك مريم كانت سيدة نساء عالمها، وفاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين».
فاستحقت الزهراء أن يكون وجودها شرطاً لوجود الرسول الأعظم وأمير المؤمنين (عليهما الصلاة والسلام) كما جاء في الحديث القدسي، حيث كان لها الدور المكمّل والمتمم في بناء المجتمع الإسلامي والحفاظ على بقاء الإسلام وفي تحقيق الغاية من خلق الإنسان وخلق الرسول الأعظم إذ لولا فاطمة لما خلق الأئمة من ذرية رسول الله في هذا العالم، وعدم وجود الأئمة يعني ابطال الغرض من وجود النبي وابطال وجود الإسلام معاً، وهذان أيضاً بدورهما يسببان إبطال وجود الإنسان أيضاً..
ولذا فإنه لولا فاطمة لما أصبح للنبوة امتداد وديمومة، فهي سر الإمامة، مضافاً إلى ما سبق من كونها وقفت أمام المؤامرات التي حدثت بعد النبي.
أُسوة وقدوة حسنة
إن المتتبع لسيرة السيدة فاطمة الزهراء يجد أنها مدرسة متكاملة في مختلف أبعاد الحياة .. فينبغي أن تكون قدوة لجميع النساء بل وحتى الرجال ..
فهي التي وقفت مع أبيها في تبليغ الدعوة الإسلامية، وتحملت أذى مشركي قريش مع الثلة القليلة من المؤمنين في شعب أبي طالب، وتحملت صعوبة الهجرة من مكة إلى المدينة. ووقفت أيضا بجانب أمير المؤمنين الذي أرسى دعائم الإسلام.. فكانت المجاهدة والمهاجرة.
وتحملت أيضاً الآلام وقساوة الظروف الصعبة جرّاء طلاقها للدنيا واختيارها الآخرة، كما تزوجت بأمير المؤمنين علي لتشارك في إسناد الرسالة والإمامة معاً وإرساء قواعد المجتمع الإسلامي ونشر الدعوة الإلهية بجانب أبيها وبعلها الذي نذر نفسه لله تعالى. وهذا خير مثال يقتدين به النساء المسلمات.
الحياة الزوجية
كما أنها تقاسمت مع الإمام علي أعمال الحياة الزوجية فكانت مسؤولية داخل البيت عليها وخارجه عليه ..
فعن أبي جعفر قال: (إن فاطمة ضمنت لعلي عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت، وضمن لها علي ما كان خلف الباب: من نقل الحطب وأن يجيء بالطعام، فقال لها يوماً: يا فاطمة هل عندك شيء؟
قالت: لا والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريك به.
قال: أفلا أخبرتني؟
قالت: كان رسول الله نهاني أن أسألك شيئاً، فقال: لاتسألي ابن عمك شيئاً. إن جاءك بشيء عفو، وإلا فلا تسأليه.
قال: فخرج الإمام فلقي رجلاً فاستقرض منه ديناراً ثُمَّ أقبل به وقد أمسى، فلقى المقداد بن الأسود.
فقال للمقداد: ما أخرجك في هذه الساعة؟
قال: الجوع والذي عظم حقك يا أمير المؤمنين.
قال (الراوي): قلت لأبي جعفر: ورسول الله حي؟
قال ورسول الله حيٌّ.
قال الإمام علي للمقداد: فهو أخرجني وقد استقرضت ديناراً وسأوثرك به، فدفعه إليه، فأقبل فوجد رسول الله جالساً وفاطمة تصلي وبينهما شيء مغطى، فلما فرغت، أحضرت ذلك الشيء فإذا جفنة من خبز ولحم.
قال يا فاطمة، أنى لك هذا؟
قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.
فقال له رسول الله: ألا أحدثك بمثلك ومثلها؟
قال: بلى.
قال: مثلك مثل زكريا إذا دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقاً، قال: يا مريم أنى لك هذا، قالت: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.
فأكلوا منها شهراً وهي الجفنة التي يأكل منها القائم وهي عندنا.
لمعة من إيثارها
من الصفات النقية الأخرى التي تحلت بها الزهراء، والتي يجب أن تكون درساً لأي مجتمع وأمة تريد الانطلاق إلى الأمام، هي الزهد والكرم والإيثار والصبر ونحوها من مظاهر الخلق السامي الرفيع.
وقصة الاطعام التي وردت في القرآن الحكيم في سورة الدهر أفضل دليل على ذلك، حيث أنفقوا طعامهم الوحيد المؤلف من بضعة أرغفة لا غير، إلى ثلاثة محتاجين في ثلاثة أيام متوالية بقوا فيها طاوين جائعين في سبيل الله، وذلك بعد أن نذروا أن يصوموا لله إذا برأ الحسنان (عليهما السلام) من مرض ألمّ بهما، فلما جلسوا عند الافطار ليتناولوا طعامهم، وإذا بالباب تقرع، وكان ثمة مسكين وراء الباب، فقاموا جميعاً بإعطاء أرغفتهم للمسكين وباتوا
جياعاً، وهكذا فعلوا في اليوم الثاني مع اليتيم، وفي اليوم الثالث تكررت الحادثة مع الأسير، فأنزل الله تعالى سورة كاملة بحقهم وهي سورة (الدهر) ومنها هذه الآية: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً(.
وهذه القصة روتها العامة أيضاً .
فمقاماتها السامية وعلومها الزاخرة أهلتّها لأن تقوم بدور التربية والتعليم والتوجيه لنساء العالم في كل عصر ومصر، وخاصة نساء عصرها اللاتي كنّ يجتمعن حولها ويتلقين منها علوم الإسلام ويسألنها عن كل شيء.
وقد كانت الزهراء المعلمة والمربية حتى للرجال من خلال النساء.
اضافةتعليق
التعليقات