سيرة فاح عطرها على الجوارح لتشد أجزاء الجسد الواحد منطلقة من قلب الحدث حتى تصل أقصى الروح فتفيض بما أوتيت به ناكرة كل ماهو حرام بلا تضلل فباتت مضرباً للأمثال في الأخلاق الكريمة ومعاملة نقية تربت على القلب قبل الكتف فتهدي كل من طمح للهداية وجذبت أمماً بكاملها وما كانوا تابعين لبلد معين أو هيئة وإنما كانوا كما قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾.
وكان من غذاء روحهم في طريقهم ما أنزل تعالى: (حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ﴾ مما يؤلم القلب ويجعله يتمنى لو أن منهم من هو في عهدنا من يمنحه الله شارات شرف واصطفاء لَما قال سبحانه: ﴿صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ فَمِنهُمْ مَن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنهُمْ مَنْ يَنتظِرُ وَمَا بَدلوا تَبديلًا﴾ ولكننا ماوجدنا في وقتنا هذا سوى قلة قليلة وكثرة من أناس ذليلة تبحث في الطريق المعاكس مستوحشين طريق الحق.
وقد يخيل لك وأنت تصغي لهم بحسن الخلق والتدين أنهم وكلاء أو ماشابه ظنا منك أنهم على ساحل الهداية منذ أزمان ولكن لو تتبعت حالهم بشيء من الفراسة لوجدت أن الحال ينطق بحُسن المقال ورداءة الفِعال، وبين القول والفِعل كما بين السماء والأرض، كلمات كألفاظ المهتدين، وأفعال كأفعال الشياطين.
بعودة بسيطة إلى الخلف وأناس من العامة لم يكونوا من أصحاب الدعوة وإنما من اتبعها وفداها بنفسه راجيا قرب الله بأهل بيت النبي وما كان من هؤلاء الصديقين إلا التقرب بالروح والجسد فضربت بهم الأمثال وأصبحوا سفراء للأمة الإسلامية جمعاء فقد جرت العادة في الدول صاحبة السيادة دونما تدخلات أن تختار سفراءها من ذوي الكفاءة العالية لا من يمتون بنسب أو وساطة، والثقافة الواسعة، لأنهم يعكسون تقدم بلادهم ورقيها، وإذا كان هذا شأن البلدان وحرص القائمين على شؤونها في اختيار الرجل المناسب لمكانة السفير، فإن سفراء الإسلام والممثلون له لا بد أن يكونوا أولى بهذا الوصف وهذه العناية والحرص لأنه دين ودولة، وعقيدة وشريعة، يحتاج إلى كفاءة عالية وذكاء عظيم، لأنهم يمثلون ديناً هو في الذروة بين جميع الأديان، وشريعة هي أكمل الشرائع وأتمها.
فأوكل الإسلام هذه المهمة الدبلوماسية لسفراء حملوا أفضل الصفات وأقربها إلى الله، ولأن الإسلام دعوة عالمية، وليس مقصورا على قوم معينين، اختار سفراء فوق العادة.
وهذا هو شأن سفراء الإسلام فهم يمثلونه في عالميته، وسعة انتشاره وعظمته اصطفاهم تعالى ليمثلوه في أخلاقه وعظيم سجاياه، صفوة يحتلون مكانة عليا ليكونوا شامة بين الناس فجمعوا بين العلم والكفاءة الدنيوية، ومن أول السفراء الخاصين لحجة بن الحسن المهدي (عج)، وأبٌ للنائب الثاني ويُعدّ من أصحاب الحسن العسكري والهادي (ع) ويقال له السمّان عثمان بن سعيد العمري أول النواب الأربعة كان من كبار العلماء، ولكن الإمام العسكري عليه السلام دفعه للاتجار بالسمن (الزيت) ليوجد من ذلك تغطية ظاهرية لدوره الهام في ايصال الأموال إلى الإمام بسرية كافية.
فباعتباره بائعًا للسمن كان يملأ بعض أجرّة السمن بالأموال المتوفرة لديه من الحقوق الشرعية ثم يبعثها إلى بيت الإمام، استغرقت نيابة عثمان بن سعيد السنوات الخمس الأولى من غيبة الإمام المهدي التي بدأت سنة 260 هـ. فكان من الرجال الذين لا يلقون مواعظاً فقط، وإنما يصوغون ضمائر ويثبتون دينهم فعلاً ويضعون أساسا لبناء أمة وفكر لمن بعدهم لا فلسفة فارغة طبعت على صحائف ورق وإنما تطبع بنور على القلوب وكان للدين في أفواههم الكلمة العليا.
لم يعرفوا الدين أوراداً ومسبحة، بل أُشْبِعوا الدين محراباً وميدانا، لماذا الآن ونحن مسلمون ليس لنا تلك الكلمة ولا الشجاعة والتضحية؟
ربما كان فهمنا للدين خاطئاً، بيد أن أصحاب النبي والأئمة الأطهار ومن صاحبهم فهموا الدين فهماً صحيحاً.
إنهم أخذوا الدين كاملاً وأدوه كاملاً متوازناً لا يطغى أحد جوانبه وتشريعاته على الآخر، ونحن نضخم جانباً من جوانبه ونقصر في آخر، نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعض على أهوائنا نؤمن بالنوافل ونترك الفرائض، فبدا ديننا مشوهاً غير مقبول لكثير من أبنائه فضلاً عن أعدائه.
ربما أغلبنا فهمنا الدين صلاةً وصياماً وحجاً وزكاةً، وكأنما ماقرأنا قوله تعالى: ﴿يَا أيهَا الذِينَ آمَنُوا اذْكُروا اللّهَ ذِكراً كَثيراً﴾ وقوله في المنافقين: ﴿ولَا يَذكرونَ اللَّهَ إِلا قَليلاً﴾، فأخذنا من الأولى ظاهرها بينما كان علينا التعمق أكثر وغضضنا البصر في الثانية قائلين الله غفور رحيم وهل يجازى الكريم ببخل!.
إنما ليس الإسلام طلقة فارغة تحدث دوياً ولا تصيب هدفاً كما يدعي هذا في يومنا من هو شبحاً أصم وأعمى، إن الإسلام هو نور الفكر، وكمال النفس، ونظافة الجسد، وصلاح العمل، ونظام يرفض الفوضى، ونشاط يحارب الكسل، وحياة فوارة في كل ميدان هو دين ودولة.
اضافةتعليق
التعليقات