جلَّ أيامنا ترافقها عفرات لا يكاد يخلو يوما من شحنة سلبية قد يهديها أحدهم إليك مغلفة بنكهة الواقع، فتصيب فيك شرخا وقد تفسح لها المجال لتتغلغل إلى محل العمق فترتطم فيه وهنا كلما ازددتَ فراغا سيعلو صداها والعكس ظاهرا صحيح!.
للسمع مداخل ومخارج وما بينهما عمق يتوغل إلى هناك حيث تلك الذات الصغيرة التي أبتْ إلا أن تكسر حواجز الزمن وتقف في عمر واحد تاركة ما حولها يكبر بشراهة توقا لرؤية ذلك المستقبل الذي نمضي له بتلهف مغفلين؛ استعجلناه بتضييع الآن الذي انتظرناه على أنه مستقبل!.
هذا التضاد ساومتْ عليه أفكارنا فمنهم من باع تلك الصغيرة ومنهم من أهدى لها شريط مورفين وأجبرها على تناوله، فغفتْ تنثر نعومة موطن نومها في أعماقهم، وما بين الحين والآخر يشتاقون إليها ولا يخبرهم هذا الاشتياق بشخصها ومكانها فتتركهم في تيه، يحارون.. يبحثون عن ذلك الحزن المقيت الذي يجتاحهم، يحاولون إيجاد ما أضاعوه.. الأسباب.. المواقف القريبة... الفقدان... تتكالب عليهم من كل صوب وجانب هموم منذ أن عرفوا أنهم أحياء إلى يومهم، الشيء الذي لم يفكروا فيه أنفسهم!.
الحياة هي المحطة الثالثة بعد محطتين خاضتها أرواحنا _هكذا قالوا لي_ وهنالك محطتين نذهب إليهما، لا أعلم لماذا نصر على هذه المحطة بالذات ونصب عليها كلّ إهتمامنا، لم نحطْ رحالنا لنسكن فيها، هذه الفيئة هي ما نحتاجه فقط هذه!.
عجبا وتريد أن تضيع نفسك بالتنقيب عن كل ما يخصها وتنكد على نفسك، تحارب قلبك، تصارع من أجل البقاء، تترك من أسمعك كلمة، تخاصم، تبكي، تمرض تدمي مستقبلك بماضيك، ثم يأتي القطار وتلتحق بالجميع مجبرا، يالكَ من مسكين!.
القطار لا يزال يسير وبسرعة أيضا وأنت تتأمل بحديثٍ مات حتى عقاربه من كثرة الوقوف عليه وقد تخطتها السنون، القطار يمضي من أيدينا ونحن عالقون في تلك المحطة ننتظر اليد التي تصالحنا، علها تأتي لنرضي غرورنا الزائف بعد ثلاثة وسبعين عاما، هناك حيث جدران المحطة تآكلتْ، وودع القطار سككه واليد التي تنتظرها أفنيتْ، تحاول أن تنفض غبار ماضيك عنك، تحاول أن تتحرك من مقعدك، ترى تصلب كل شيء فيك، فتنعى سنينك وتحرق دموعك ندوب العمر المقيتْ، لا شيء يسعفك للقيام إلا تلك الصغيرة التي داخلك، تستغل ركودك وتتحرر مغادرة عنك بعيدا إلى إنتمائها الأول حاملة ثقل أوزارك إلى مكانها السرمدي بعد أن تودعك قائلة: (إنها محض مغامرة نجريها ونذهب إلى حياتنا الأخرى ثم توعدك بسلام).
اضافةتعليق
التعليقات