ثمة اختلاف في تفسير المواقف العدوانية والعنيفة من حيث علاقتها بالمعايير. ولقد رصد "بركوتيس" ثلاثة اتجاهات في هذا الصدد، الأول: ظهر بين بعض علماء الاجتماع ممن ينظرون إلى السلوك العدواني بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الإطار المعياري الثقافي، أما الثاني فقد ظهر لدى بعض العلماء النفس ممن يميلون إلى النظر إلى العنف بوصفه سلوكاً لا اجتماعياً، ونظر فريق ثالث إلى العنف بوصفه رد فعل تجاه سلوك يوصف بأنه خطأ، حيث يقرر العدوانيون أنهم قد تعرضوا لأساليب معاملة غير قانونية أو غير مقبولة.
ويدعونا ذلك إلى تفحص عددٍ من المواقف التي تحدث في نطاقات مختلفة. فالمواقف التي تظهر داخل الأسرة تحكمها شروط مختلفة عن المواقف التي تظهر في المدرسة عن تلك التي تظهر في الشارع أو في وسائل الإعلام، وأخيراً نطاق التفاعل مع الأصدقاء والجيران.
نطاق التفاعل الأسري:
الأسرة هي الوحدة التي يتكون من خلالها النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والديني، وهي مصدر الكثير من الاشباعات التقليدية لأفرادها فهي التي تقدم لهم الحب والاحترام والأمن والحماية النفسية والجسدية.
إلا أن جين كلود تشيزنيس يعتبر الأسرة مجالاً من مجالات التناقض، فرغم أنها محيط للعواطف المتبادلة، وميثاق للوئام، إلا أنها كذلك في كثير من الأحيان مركز للعنف فهي المكان الوحيد الذي يكشف فيه كل شخص عن وجهه الحقيقي، دون تمييز، والعنف في هذا المحيط يعتبر قوياً، أقوى من أي محيط آخر، ولكن العنف بين أفراد أسرة واحدة عادة لا يخضع للمناقشة، فهو يعتبر من الأسرار المشينة.
يُرجع كمال إبراهيم مرسي ارتباط الانحرافات النفسية عند الأبناء بعدم انسجام الوالدين في حياتهم الزوجية، إلى عدم سعادة الزوجين بحياتهم معاً، يجعل المناخ الاجتماعي والنفسي في الأسرة نكداً، لا يشعر الأطفال فيه بالأمن والطمأنينة، ويعرضهم لخبرات مؤلمة كثيرة، تنمي الاستعداد للانحراف عندهم وهم صغار.
بينما أرجعت نجوى الفوال (17:2002) ارتباط العنف في الأسرة بوجود قوة غير متكافئة، التي تؤدي إلى حدوث تغيرات في شكل الأسرة ووظائفها، وأكدت إجلال إسماعيل حلمي (64:1999) أن الحياة الداخلية لأسرة العنف تدور حول دائرة متكررة من الابتلاء الانفعالي والتناقض الانفعالي، فكلما عادت الأسرة إلى حالتها الطبيعية تشتعل ثورة العنف مرة ثانية ويكون هناك إنكار للعنف في دخيلة كل فرد في الأسرة لأن هناك خوف من حدوث شرخ في الأسرة أو تفكك هذا التجمع الأسري.
والآباء الذين يعاملون أبناءهم بالعقاب يؤدي إلى نقص علاقة الحب والدفء بينهم في الأسرة، وهذا العقاب غير المبرر وغير المقبول يغلب عليه الطابع العنفي الذي يولد اضطرابات علائقية تطال جميع أفراد الأسرة ومن يتعامل معها، كما تتسم التنشئة المتشددة بدرجة كبيرة من الجمود كما أنها تتسم أيضاً بدرجة كبيرة من التطرف (محي الدين أحمد حسين، 55:1987).
ومن المؤكد أن المنزل الذي يسوده العنف والشجار أكثر خطورة من المنزل الذي يتعرض لحالة طلاق. ولكن طالما أن العدوان ليس موجهاً نحو الأطفال، فإنهم على الأقل لا يتعرضون للضغوط الداخلية التي يتعرض لها الأطفال في حالة الطلاق أو الانفصال.
وقد كشفت البيانات عن أن أسلوب النصح والتوجيه من أكثر الأساليب شيوعاً، وعلى هذا فإن للأسرة دوراً حيوياً وفعالاً في إعداد وتنشئة الأبناء، يجعل منها وسيطاً تربوياً أكثر فعالية وأبقى أثراً في سلوكهم إلا أن عالم اليوم شهد تطورات عديدة، وتغيرات سريعة متتالية من فعالية دور الأسرة. هذا فضلاً عن اتباع بعض الأسر أساليب خاطئة في التربية من ناحية وكثرة المشكلات الأسرية من ناحية أخرى.
اضافةتعليق
التعليقات