في ليلة قمرية هادئة اصطفت حشود دون استدعاء ليشكلوا موكب مهيب لا نظير له, محدقين براية الحسين ابن علي وهي تعتلي عنان السماء ترفرف في فنائها ايذانا بشعائر الحزن التي انبثقت من ارض كربلاء في ليلة استبدال الراية للعتبتين المقدستين.
(بشرى حياة) كانت هناك بين الجموع تستنطق عيون الحاضرين قبل ألسنتهم ليسجلوا مشاعرهم التي ترجمتها هتافاتهم ودموعهم:
شرف لي
الحاج خضير الكرعاوي ( 56 سنة) حدثنا بلهفة كبيرة: "أنا من مدينة النجف الأشرف وفي كل عام أحضر مراسيم استبدال الراية وإنه لشرف لي أن أقف هنا اجلالا لأحتفي بهذه المناسبة الدينية".
وأضاف: "نعم أنا أرى أنها مناسبة دينية عظيمة, فقد حظي سيدي ومولاي بالشهادة لينال رضى الرحمن وتكون واقعة الطف استذكار تتعاقبه الأجيال".
بينما كان الحزن والخشوع والرهبة يعتري أم عماد المرأة السبعينية والتي لم تزغ عينيها عن مشهد رفع الراية السوداء, وعن مشاعرها بتلك اللحظات قالت: "لا أملك كلمات أصف بها مشاعري لهذه اللحظة, وكأن فاجعة كربلاء بالأمس حصلت وأن دماء الحسين (عليه السلام) مازالت تفيض على الرمضاء وأنا اليوم وبهذا المشهد استذكر ما حل بأهل بيته من نساء وأطفال, فعظم الله لنا ولكم الأجر بهذا المصاب الجلل".
من جانبها قالت الحاجة أم قيس: "إنها لم تشاهد تلك الطقوس عن كثب أو في موقع الحدث ذاته على الرغم أنها من أهالي كربلاء, فالمرض حال دون ذلك, لتكون بين الحاضرين ليلة استبدال الراية لسيد الشهداء الحسين واخيه العباس (عليهما السلام).
واضافت بالقول: بأنها لم تفتها تلك الطقوس من كل عام, وذلك من خلال متابعتها الدؤوبة لها عبر شاشة التلفاز , كما وصفت ذلك بقولها ان جسدها في البيت ورحها هناك في الحرم المطهر مع الزائرين".
مسيرة جهاد خلدها تاريخ
كما كان للشيخ كاظم العابدي حضور في مراسيم استبدال الراية فشاركنا الحديث قائلا: "ان مسيرة الحسين (عليه السلام) مسيرة جهاد خلدها تاريخ تعاقب على مر العصور, إذ حملت بين طياتها الكثير من القيم الاخلاقية السامية, التي تمثلت بالبطولة من اجل الدين, والشرف, والتضحية, والعدل, والمساواة وغيرها".
واضاف: "في كل عام نشهد هذه الاجواء التي يسودها الحزن والأسى, حيث يتم انزال الراية الحمراء التي تعلو قبة مرقد الامام الحسين واخيه ابا الفضل العباس (عليهما السلام) واستبدالها بأخرى سوداء ايذانا ببدء شهر محرم الحرام.
وكما هو متعارف بأن هذه المراسم تتم في وقت واحد في جميع المراقد المقدسة وفي المزارات الشريفة ايضا.
وتشير الراية الحمراء إلى أن صاحب هذا المكان قتل ولم يأخذ بثأره حسب العرف العربي السائد، فيما تشير الراية السوداء إلى الحزن والعزاء.
وتابع: "ويذكر المؤرخون أن أول من رفع راية حمراء كان شيخ قبيلة بني اسد, واستمر المواليين في شهر محرم من كل عام احياء هذه الطقوس كذكرى لاستشهاد الامام الحسين (عليه السلام) واهل بيته وأصحابه".
همس الختام
في كل عام يصطف المئات من النساء والرجال والأطفال ليسجلوا أسماءهم في صحيفة غائبة, لتسرد أسمائها بعد حين في يوم غير معلوم.
إنها صحيفة لا تقدر بثمن, غير أنها كانت ومازالت من اجمل واغلى صحف العالم, إذ خطت بها اسماء الحاضرين والموالين من النور السماوي, انها ساعات قد اصطفت بها القلوب متوحدة, لتنبض بعشق ازلي واحد, ترنو اعينهم بها الى السماء كأنهم يسمعون ملائكتها ترتل القرآن, معلنين بذلك حدادهم قبل أهل الأرض.
اضافةتعليق
التعليقات