كانت زينب تجلس بمحاذاة الجدار المقابل للمدرسة التي ترتادها الفتيات اللواتي من عمرها، تراقبهن عن كثب وهن يحملن حقائبهن، ثم تتسلل إلى البوابة لتسترق النظر لترى قريناتها يلعبن في باحة المدرسة. كانت تتوق شوقًا لمشاركتهن، وقد كان جلّ أحلامها هو أن تدخل من بوابة المدرسة كتلميذة، لا أن تقف خلف سور الباب تنظر بعيون دامعة وقلب طفلة حالِم يبحث عن مستقبل أكبر.
حكاية زينب ليست استثناء، بل هي صورة تختصر معاناة آلاف الأطفال الذين وُلِدوا بحقوق غير كاملة بسبب ظروف اجتماعية، أو مادية، أو صحية.
في هذا الموضوع أجرت (بشرى حياة) هذا الاستطلاع...
الطفل والتعليم
هناك الكثير من الأطفال ما زالوا يعانون من الاضطهاد في حق التعليم لأسباب مختلفة، حيث يعيشون طفولة قاسية وهم يفتقرون لأهم حق لهم في الحياة وهو حق التعليم. تحدثنا السيدة سليمة فيصل، أم لسبعة أطفال، قائلة:
كان زوجي قاسيًا جدًا مع الفتيات، فهو يفضل الذكور، ولهذا كان يكتفي بتعليم الأولاد والتحاقهم بالمدرسة واستكمال تعليمهم، بينما على الفتاة ترك مقعد الدراسة في المرحلة الابتدائية، سواء كانت تجيد القراءة والكتابة أم لا، فهو أمر واجب التنفيذ دون مناقشة.
الطفل والصحة
هناك أطفال يعانون من أمراض مزمنة، وبعضهم من ذوي الاحتياجات الخاصة يجعلهم مختلفين عن الآخرين، وهنا تفتقر بعض المدارس إلى توفير بيئة وكادر خاص لتأهيلهم، مما يُتعب الأهل بهذا الجانب.
يقول المعلّم حيدر غسان: إن الطالب كميل كانت تلازمه نوبات السكري بشكل متتالٍ، فقد كان في مرحلة متقدمة مما جعله يتراجع في مستواه التعليمي، وفي النهاية ترك مقعد الدراسة بسبب حالته، على الرغم من مراعاة الإدارة لوضعه الصحي. إلا أنه فقد شغف التعليم، وكان أكثر مشهد يؤلمني حينما يجلس حزينًا وهو يراقب زملاءه يلعبون كرة القدم والكرة الطائرة، وهو لا يستطيع مشاركتهم.
الطفل والوضع المادي
ومن أكبر المشاكل التي تواجهها الطفولة هي الفقر، إذ إن الكثير من الأطفال يواجهون مصيرًا مؤلمًا حينما يفتقدون أبسط مقومات الحياة، وهو رغيف خبز يسد رمق جوعهم، مما يلجأ بعضهم إلى العمل مبكرًا تحت السن القانوني. ونجد استشراء عمالة الأطفال موجودًا في الكثير من الدول العربية والأجنبية والبلدان النائية.
مسؤولية مجتمع كامل
تقول الباحثة الاجتماعية بتول ناصر: إن يوم الطفل العالمي يمثل فرصة سنوية لتقييم وضع الطفولة في المجتمع، وليس مجرد مناسبة للاحتفال بها.
وتؤكد أن أبرز التحديات اليوم تكمن في الفقر، والتسرب المدرسي، وعمالة الأطفال.
كما تشدد على ضرورة تعزيز التشريعات التي تحمي الطفل وتطبيقها فعليًا، معتبرةً أن حماية الطفل ليست مسؤولية الأسرة فقط، بل مسؤولية مجتمع كامل.
أما الاستشارية النفسية نور مكي الحسناوي فتوضح أن الطفل بحاجة إلى الأمان العاطفي قبل المادي، وأن الإهمال أو العنف يترك آثارًا قد تستمر لسنوات طويلة.
وتبيّن الحسناوي أن الاحتفال بيوم الطفل يجب أن يرافقه نشاطات تعزز ثقة الطفل بنفسه، وتمنحه مساحة للتعبير عن رأيه، فالطفل الذي يُسمح له بالحديث يكبر وهو قادر على الدفاع عن حقوقه.
يوم الطفل العالمي
لقد اعتمدت الأمم المتحدة يوم (20) من تشرين الثاني يومًا عالميًا للطفل، لأنه يصادف تاريخين مهمين، وهما إعلان حقوق الطفل عام (1959)، واتفاقية حقوق الطفل عام (1989)، وهما من أهم الوثائق الدولية التي أرست مبادئ حماية الأطفال وحقوقهم في التعليم، والصحة، والحماية من العنف، وعدم التمييز، وحقهم في المشاركة.
ومن أهم أهداف هذا اليوم هو تعزيز الوعي بحقوق الطفل عالميًا، والتشجيع على تحسين ظروف التعليم والصحة، والدفع نحو سياسات وتشريعات تحمي الأطفال من الاستغلال والعنف، وتذكير الحكومات والمجتمعات بمسؤوليتها تجاه الأجيال القادمة.
كما يساعد يوم الطفل العالمي في كشف الفجوات بين الواقع والطموح، ويدفع باتجاه مبادرات مجتمعية وإنسانية لدعم الأطفال، سواء من خلال حملات التوعية، أو توفير فرص تعليم إضافية، أو حماية الأطفال المعرضين للخطر، فضلًا عن خلق مساحة لسماع أصوات الأطفال أنفسهم، فهم ليسوا مستقبل الوطن فقط، بل هم جزء حي من حاضره.








اضافةتعليق
التعليقات