نظّمت جمعية المودة والازدهار بتاريخ 31/5/2025، الموافق لـ 29 ذو القعدة 1446هـ، ملتقىً مباركًا لخادمات المنبر الحسيني تحت عنوان: "ملتقى خادمات المنبر الحسيني الثالث"، بهدف تلاقح الأفكار في خدمة الأطهار، وذلك في إطار تعزيز الدور الرسالي للمرأة في خدمة المنبر، وتطوير الأداء الخطابي بما يواكب متطلبات العصر ويحافظ على أصالة الرسالة الحسينية.
وقد حظي الملتقى بحضور نخبة من خادمات المنبر الحسيني، بالإضافة إلى عدد كبير من المهتمات بالشأن التبليغي، كما تشرف الملتقى بحضور سماحة السيد مهدي الشيرازي (دام عزّه)، الذي أضفى على الملتقى بوجوده المبارك أجواءً من الفائدة الروحية والعلمية.
تناول الملتقى عددًا من المحاور المهمة التي تمس واقع الخطابة النسوية الحسينية، وكان من أبرزها التأكيد على ضرورة تطبيق الكلمة قبل طرقها على المنبر، لما لذلك من أثر بالغ في صدق الخطاب وفاعليته في النفوس، مما يسهم في إحداث التغيير المنشود في المجتمع.
وقد أثْرى سماحة السيد الشيرازي الجلسة بكلماته القيّمة، التي كان لها عظيم الأثر في نفوس الحاضرات. وتم طرح ومناقشة العديد من المحاور المهمة التي تُعنى بدور خادمة المنبر الحسيني، وكيفية الارتقاء بهذا الدور ليُلامس القلوب ويُحيي النفوس.
استهلّ السيد الشيرازي كلمته بذكر محمد (صلى الله عليه وآله) وبحديث الإمام الرضا (عليه السلام):
"أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا"،
مُشيرًا إلى أن هذه العبارة الكلية تحمل مصاديق عديدة، وإحياء أمرهم (عليهم السلام) يكون عبر التعلّم والتعليم. يُذكَر أن الراوي سأل الإمام الرضا (عليه السلام): كيف نُحيي أمركم؟
فأجاب الإمام: "يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس"، أي لا يكتفي بالتعلم، بل يُبلّغه للناس.
أوضح سماحته أننا نعيش في زمن الغيبة الكبرى، ومشاكل هذه المرحلة كثيرة، وأهمها مشكلة "الضياع"، وهو شعور الإنسان الذي لا يعلم تكليفه الواقعي. فلو كان الإمام حاضرًا بيننا لكان مرجعًا نسأله عن تكاليفنا، كما كان الحال في الأزمنة التي حضر فيها الأئمة. أما الآن، فنعيش الضياع لغياب المرجعية المباشرة.
وتساءل سماحته:
كيف نحل هذه المشكلة؟ ما هو واجبنا؟
وأضاف: لو كان الإمام ظاهرًا، لسمعنا منه وطبّقنا ما يقول، لكن علينا أن نعي أن الإمام غائبٌ عنّا ظاهرًا، إلا أن وجوده معنا. فالوجودات أربعة:
الوجود الخارجي
الوجود الذهني
الوجود اللفظي
الوجود الكسبي
وجود الإمام الخارجي محجوب عنّا بمشيئة الله، لكن الوجود اللفظي (الروايات والأحاديث) بين أيدينا، ونحن مَن حجَبنا أنفسنا عنه. فكم نقرأ من الروايات؟ كم نعمل بمضامين القرآن الكريم؟ وهذا خطاب خاص للخطباء: كم نُطبّق مما نقرأ؟
ثم تناول سماحته بعض الأمثلة من المجتمع، وذكر آيات تتعلق بالزواج والمشورة، وكيف أن حياتنا اليومية، وخصوصًا الأسر، باتت بعيدة عن مناهج القرآن الأخلاقية والتربوية. فنحن نُجيد التلاوة والتجويد، ونطبع المصاحف بأجمل الصور، لكن لا نُطبّق تعاليمه. فأين نحن من العمل بالقرآن؟
ومع العترة الطاهرة، هل اقتصرت علاقتنا على البُعد العاطفي فقط؟
هل هذا كل ما تحمله رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) العظيمة؟
أكد سماحته أن منهج الحسين (عليه السلام) وأهل بيته مُدوَّن في الروايات. فلو طالعنا جزءًا من هذه التراثيات، لأثرت في حياتنا. كـنهج البلاغة، فهل قرأناه وطبّقناه؟
أو الصحيفة السجادية، فهل تُطرح كمادة منبرية لتوجيه الناس؟
كم من خطبنا تحوي مضامين من تحف العقول أو سلسلة الكلمة أو خُطبة السيدة الزهراء (عليها السلام)؟ إن لم نكن نذكرها، فلنبدأ من الآن.
وأشار إلى ثلاثة أبعاد يجب طرحها على المنبر:
البُعد العقائدي
البُعد الأخلاقي
البُعد الفقهي
وبيّن أن البعد العقائدي دون وعي قد يوقع الإنسان في الإفراط أو التفريط، مشددًا على ضرورة الاطلاع على الكتب العقائدية المعتمدة، خاصة بين الشباب.
أما البعد الأخلاقي، فأكد سماحته أنه الأهم، لأن ما نلحظه من تفكك أسري وكثرة حالات الطلاق، ناتج عن قلة الوعي الأخلاقي. فالأخلاق يجب أن تُطبَّق على المنابر، وقبل كل ذلك يجب أن يتحلّى الخطيب بالأخلاق، حتى تكون كلماته مؤثّرة.
ثم ختم بكلمة قيّمة ذكر فيها قصة طريفة ومعبرة:
في زمن الشيخ جعفر كاشف الغطاء، وكان خطيبًا مؤثرًا للغاية، جاءه عبدٌ وقال له: "أنا عبد، ومولاي يحضر مجالسك، فأرجو أن تتحدث عن فضل عتق العبد".
فحضر العبد مع مولاه يومًا بعد يوم، ولم يُطرح الموضوع حتى مرت ستة أشهر، وفي اليوم الذي تحدث فيه الشيخ عن فضل العتق، قام المولى مباشرةً وأعتق عبده لوجه الله.
جاء العبد يشكر الشيخ، وقال له: "أنا ممتن لك، لكن لدي عتب، لماذا تركتني أعيش ستة أشهر في العبودية؟"
أجابه الشيخ: "يا عبدي، كلامي أثّر لأنني قلت بعد أن فعلت. منذ طلبك بدأت أوفر المال لأشتري عبدًا وأشعر بمشقة ذلك، ثم أعتقته، فحينها فقط استطعت أن أتكلم عن فضل العتق من موقع الفعل لا القول فقط".
وختم سماحته هذه القصة مؤكدًا أن الخطيب يجب أن يجسّد الأخلاق في شخصيته، لا أن يطرقها باللسان فقط، ليكون لكلماته أثر في النفوس.
إن الهدف من هذا الملتقى هو توعية خادمات المنبر لطرح مواضيع ذات أهمية عالية يحتاجها المجتمع، ومن الجدير بالذكر أن الجمعية تستمر في تقديم البرامج الثقافية والملتقيات والورش الاجتماعية والأسرية، للنهوض بمجتمع واعٍ ومثقف.
اضافةتعليق
التعليقات