عواصف كثيرة تهدر لحناً مزعجاً يعكر صفو أيامنا فنجدنا سلبيين للغاية، يأخذنا الانزعاج صباحاً ويردنا التأفف إلى الفراش كارهين الأيام متمنين النهاية العجولة أو الفرج الآني.
هذا هو حال الكثيرين منا حينما تزل اقدامهم او يقدر لهم ان يمروا بمحنة بسبب او دونه ، وربما ايضاً الى اولئك الذين سئموا الروتين الممل او انه لم يقدر لهم ان يمروا في المحن ليتعلموا ولكن ان حصل ذلك ثقوا تماما هو لصالحنا فقط ، ولو ركزنا عن كثب اكثر واثقين بالله لوجدنا انه ما خلقنا عبثاً وانه يستحيل ان يتركنا واقفين في منتصف الطريق العكر دون ان يرشدنا للصواب المطلوب والذي تعود فائدته علينا نحن فقط وسنعرفها مع الايام وان طالت.
[إن الله هو الذي يعرف كيف يربي كل شخص ليظهر أفضل ماعنده ، وأن البذرة تحتاج أن تُدفن حتى تنمو ، وأن كل شيء أتى لحكمة ستعرفها لاحقاً]، هي كلمات قالها ذلك الذي كان يوماً ما طالب في كلية الطب وعاشقاً للتشريح لدرجة أنه اشترى نصف جثة ووضعها بالفورمالين تحت سريره من شدة شغفه “و الفورمالين مادة لحفظ الجثة تستخدم في كلية الطب لها رائحة نفاذة تؤدي لتلف الرئتين”، وهو كشاب صغير لم يكن مدرك لخطورة هذه المادة ، بل جذبه شغفه لدرجة أنه لم ينتبه لذلك إلا بعد ثلاث سنوات ، عندما اكتشف أن رئتيه تم إتلافها بسبب ذلك تلفا كاملا ونتيجة لذلك تم عزله بغرفة صغيرة يأخذ علاجه ولا يستطيع التحرك منها ولا الذهاب للجامعة لمدة ثلاث سنوات .
وفي هذه الفترة تخرج أصحابه من كلية الطب وهو لا يزال مريضاً في غرفته لا يستطيع التحرك، وكان يظن أنه يمر بأسوء سنوات حياته، ولم يكن يستطيع أن يفعل أي شيء في هذه العزلة التامة إلا القراءة حيث ختم في هذه السنوات كل كتب الأدب العالمي ثم بعد انتهاء محنته كما كان يظنها عاد لاكمال دراسته بكلية الطب، وعندها اكتشف أن هذه السنوات الثلاث هي من صنعت الدكتور والفيلسوف مصطفى محمود “الكاتب الشهير ومؤلف كتب كثيرة وباحث في علوم القرآن”.
وترجمان كل هذا يضيف لنا علماً أن لكل ابتلاء يبتليه الله للانسان فيه حكمة، وهذا يكفينا من حيث الجملة وإن لم نعرف التفصيل، وكذلك نحن نعلم أنه حكيم فيما يفعله ويأمر به ، وعلى هذا ينبغي أن يعلم الانسان انه لا يمكن له أن يحيط علما بحكمة الله تعالى في خلقه وأمره، وقضائه وقدره، مهما أوتي من الفطنة والذكاء والعلم والفهم ومهما كان الابتلاء فلا يسأل وانما يتبع هدى وآيات الله ويتذكر قوله تعالى في سورة الأنبياء ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾.
فتكون هذه الآية هي حدهم الذي يقفون عنده فيعلمون حدود الله وحكمته، ولا يحق للمرء ان يتذمر من قدر اراده الله له ان كان يعلم انه ما قدم الا الخير وما فعل سوى الصواب فليطمئن من منزلات الدنيا ، فقد طمأن الله عباده في سورة لقمان في قوله تعالى: ﴿ إِنَّهَا إِنْ تَكُنْ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾، وهذا اعظم اطمئنان للانسان ، وفي النهاية نصائح لطيفة ربما تسلم على القلوب فتهدي التائهين اختصاراً للتنمية والوعي:
1- ان الشغف لهو الدافع الاول للإنسان ولكن لا تجعله المحرك الرئيسي بشكل فائض فيختل توازنك كما حصل مع الدكتور مصطفى .
2- مهما كانت الايام قاسية واشتدت عليك بوادر السلبية تذكر ان كل شيء يسير لصالحك فالله يحبنا ويخرج أفضل ما عندنا بحكمة بالغة .
3- لا يأخذك الاستعجال فيضيع عصفورك وانت تنظر الى العدد على الشجرة واعمل بما بين يديك الآن مهما كان بسيطا.
4- إقرأ في مجالات عديدة ووسع اختياراتك فربما تجد نفسك في مكان لم تكن تتوقعه وفي سطور اهملتها ظناً منك انها لن تنفع.
وتذكر عزيزي القارئ ، نحن مخلوق عظيم خلقه الله ، و لسنا هذا الجسد الفيزيائي بل أعظم بكثير من مجرد وظائف وأعضاء ليجعل لنا عز وجل مكانة كبيرة ويميزنا عن سائر مخلوقاته و يعدنا بالمغفرة والرحمة وهو اعظم ما يطمئن القلب ويبعث السكينة في النفس مهما حصل ولو دارت دوائر الدنيا كلها علينا وزاد البلاء وكثر الابتلاء فهو حكمة ونهايتها فرج ومغفرة ورحمة وهذا ماذكره عز وجل في محكم كتابه : { قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
اضافةتعليق
التعليقات