غالباً ما ترتبط كلمة "الاكتئاب" بالحزن وأن الشخص سيكون مفصولاً اجتماعياً وعاطفياً عندما يكون في حالة اكتئاب ولكن هذا ليس صحيحاً؛ فالمظهر الجيد أحياناً لا يكون بالضرورة انعكاساً لحالة داخلية جيدة، هناك من يظهرون بمظهر حسن لحرصهم على الظهور كذلك لكي يخبروا الجميع بأن كل شيء على ما يرام ولا داعي للقلق بشأني، بينما هم من الداخل يموتون ببطء.. وتسمى هذه الحالة (الاكتئاب المبتسم).
ففي الآونة الأخيرة أصبح مصطلح الاكتئاب المبتسم (smiling depression) منتشراً بشكل متزايد وهو حالة يبدو خلالها الشخص سعيداً بينما يعاني في الحقيقة من أعراض اكتئاب داخلية، حيث إن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب المبتسم يضعون قناعاً للعالم الخارجي يظهر أنهم يعيشون حياة طبيعية ونشطة على الدوام بينما يشعرون في الداخل باليأس والحزن والإحباط.
وقد يكون من الصعب للغاية تحديد المرضى المصابين بالاكتئاب المبتسم حيث يظهرون وكأنهم لا يعانون من أي سبب للحزن، فلديهم وظائف ومنازل وربما أطفال وشركاء ويبتسمون حين تحييهم، فضلاً عن أنهم يتمكنون من إجراء محادثات ممتعة مع الآخرين بينما هم في الواقع يعانون من أعراض اكتئابية داخلياً.
أعراض الاكتئاب المبتسم:
على الرغم من صعوبة اكتشافه، إلا أن هناك بعض أعراض الاكتئاب المبتسم ممكن أن تظهر مثل:
1- فقدان الاهتمام بالأشياء التي كان يحب فعلها من قبل.
2- الأرق أو عدم القدرة على النوم وضعف التركيز.
3- الخمول والشعور بثقل في الذراعين والساقين.
4- تغيرات مفاجئة في الوزن يصحبها فقدان الشهية أو الإفراط في الأكل.
5- الاكتئاب بشكل أكبر في المساء.
6- التعرض للأذى بسهولة من خلال التأثر بالنقد أو الرفض لشخصياتهم.
7- التفكير المستمر والتحدث بشكل سلبي.
أسباب الأكتئاب المبتسم:
أسباب الاكتئاب المبتسم هي نفسها أسباب الاكتئاب بصفة عامة (الأزمات العاطفية – الأزمات النفسية – الشعور بالفراغ – الخيبات المتكررة)، إلّا أنّنا نتساءل عن السبب الذي يدفع بالفرد إلى إخفاء اكتئابه عن الآخرين، والذي يتمثل في:
1- الخوف أو الخجل من أن يبدو ضعيفاً أمام الآخر الذي يعتبره مصدر قوة وإلهام ويستند عليه.
2- هو لا يريد أن يراه الناس مريضاً، لا يتحمل مشقة أن يوصم بالمريض النفسي، يخجل من اكتئابه وبؤسه ويتضرر نفسيا من شفقة الناس عليه.
3- غالباً ما يعتبر الآخر غير قادر على فهمه وإيجاد حلّ له، فالتعبير عن معاناته لشخص كهذا يشكل تهديداً مضاعفاً لراحته النفسية، لهذا يفضّل أن يحتفظ بها لنفسه وقد لا يفهم أن حالته هي اكتئاب أصلاً.
4- الخوف من استفسار الآخرين عن سبب معاناته خاصة إذا كان السبب سرّاً يحتفظ به لنفسه فقط.
لذلك هو يقوم بإخفاء مشاعره عن الناس ويرتدي مظهراً حسناً طوال اليوم وأمام الجميع يمارس روتين حياته (بلا روح، وبلا قدرة على الاستمتاع أو اختبار شعور الفرح) ويحاول أن يبدو لائقاً ومتفاعلاً، وفقط حين يختلي بنفسه (قبل الاستسلام للنوم، أو تحت مياه الاستحمام، أو في غرفة مكتبه الخالية) يسمح لدموع عجزه أن تنساب ولغضبه أن يتفجر وربما يؤذي نفسه بطريقة أو بأخرى.
علاج الإكتئاب المبتسم:
- الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب المبتسم عادة لا يلجأون لعلاج أنفسهم، لأنهم قد لا يعتقدون أن لديهم مشكلة في المقام الأول، خاصة إذا كانوا يواصلون القيام بمهامهم وروتين حياتهم اليومية، لذا فهم لا يخبرون أحداً عن مشاكلهم وينتهي بهم الأمر بالخجل من مشاعرهم.
وكبداية لعلاج المشكلة، لابد من اعتراف أصحاب الاكتئاب المبتسم بأنهم مصابين به، فهي خطوة كافية لتغيير الأمور لكونها تضعهم على طريق طلب المساعدة.
- ومن ناحية أخرى، اتضح أن التأمل والنشاط البدني لهما فوائد صحية عقلية هائلة، فقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة روتجرز في الولايات المتحدة الأميركية أن الأشخاص الذين قاموا بالتأمل والنشاط البدني مرتين في الأسبوع، واجهوا انخفاضاً بنسبة 40% في مستويات الاكتئاب لديهم، وذلك بعد مرور 8 أسابيع فقط من الدراسة.
- هذا ويعتبر العلاج السلوكي المعرفي وتعلم كيفية تغيير أنماط التفكير والسلوك خياراً آخر للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب المبتسم.
- ويظهر الكثير من المرضى تحسّناً من خلال وجود السند الاجتماعي المدرك الذي يسهم بصورة فعالة في تحسين مزاج المريض ومساعدته على حل مشكلاته النفسية، فمن الممكن مساعدة الشخص المصاب بالاكتئاب المبتسم من خلال إظهار الحب الحقيقي وتقديم الدعم له والاستماع إليه وتقديم الاقتراحات والحلول التي يمكن أن تساعده بالإضافة إلى محاولة تعزيز ثقته بنفسه ومحاولة اصطحابه إلى معالج نفسي لتحسين حالته.
- والأهم من كل ذلك هو إيجاد معنى للحياة التي نعيشها، هذا لا يعني بأن نسعى لنكون في حالة خالية من التوتر والمسؤولية والتحديات، بل أن نسعى لتحقيق شيء في الحياة عن طريق صرف الانتباه عن أنفسنا والتركيز على هدف جدير بالاهتمام ومحاولة إحراز تقدم فيه مثل التطوع في نشاط ما أو رعاية أحد أفراد العائلة أو حتى حيوان.
في الختام لا بدّ من الاعتراف بأن المرض النفسي لا يفرق بين شخص وآخر، إذ يمكن أن يطال الجميع دون استثناء كما أنه يجب الاعتراف بأن "الاكتئاب المبتسم" هي حالة موجودة بالفعل وشديدة الخطورة، إذ تكمن خطورة هذا العدو الخفي في تستره واختفائه بالعديد من المظاهر المقلوبة والمضادة له مثل المرح الشديد أمام الناس، والاكتئاب الشديد والحزن منفردًا، "فلا تحكموا على الكتاب من غلافه".
اضافةتعليق
التعليقات