لا أذكر كيف فقدت أعصابي وصرخت في وجه تلك السيدة المسنّة بعدما داست على قدمي من غير قصد. فكلانا صعد الحافلة نفسها ظهراً من منطقة الفاتح باتجاه منطقة كيرازلي في مدينة إسطنبول التركية، وشاءت زحمة الركاب الفظيعة أن يقف كلانا أيضاً بجانب قمرة السائق، بعد أن يئسنا من إيجاد مكان شاغر نجلس فيه.
وما زاد الطين بلة، ليس الركاب الجدد الذين كانوا يتهافتون في كل محطة تقف فيها الحافلة على الصعود، ومن ثمَّ يزداد العدد ويضيق الخناق بنا أكثر، بل الحرارة المرتفعة في طقس ذاك النهار، الذي لم أعايشه من قبلُ خلال السنتين الماضيتين اللتين قضيتهما في مدينة إسطنبول.
وكنت قد قرأت يومها الكثير من الأخبار على الشبكات الاجتماعية عن موجة الحر التي تشهدها المنطقة، ومن ضمنها مدينة إسطنبول، أواخر شهر يونيو/حزيران 2017.
وبعد ساعة ونصف الساعة قضيتها على الطريق، وقبل دقائق قليلة كادت تفصلني عن محطتي المرجوة كي أغادر الحافلة، حاولت السيدة المسنّة مسرعةً التوجه نحو مقعد أصبح شاغراً أخيراً، فما شعرْت إلا بثقل كبير على قدمي بعدما داست عليها دون قصدها.
صرخْت كثيراً في وجهها وكلّ علامات الغضب تعتريني، وكأني وجدت ما أفرِّغ به أثر الحرِّ الشديد والزحام الفظيع والتعب من طول مدة الوقوف الذي مررت به في هاتين الساعتين.
مرّت ثوانٍ قليلة قبل أن أهدأ وأنزل من الحافلة، وأنا لا أعلم كيف كنت في تلك الحالة العصبية مع السيدة التركية، ورغم أنها لم تفهم من صراخي شيئاً؛ لكوني لا أجيد اللغة التركية، فإنها بالطبع شعرت بغضبي واستيائي مما فعلته دون قصد.
وحين وصلت إلى المنزل، ونلت من الراحة قسطاً يكفيني كي أكمل نهاري، لم أستطع أن أنسى وجه تلك السيدة وأنا أصرخ في وجهها، مع أني أعلم أنها لم تقصد إيذائي حين داست على قدمي.
وأخذت أتصفح على مواقع الإنترنت عن الأسباب التي قد تسبب مثل هذه النوبات العصبية، وإلى جانب ضغط العمل والانشغالات اليومية الكثيرة، وجدْت ما له علاقة مباشرة بدرجات الحرارة المرتفعة.
وقرأت في صحيفة Le Figaro الفرنسية عن كيفية تأثير ارتفاع درجات الحرارة على سلوك الإنسان، وفق دراسة قام بها ثلة من الأخصائيين الفرنسيين، ولخَّصوها في النقاط التالية:
1- تراجع الجهد إلى حدود الصفر
يتسبب ارتفاع درجة حرارة الجو في إحساسنا بالتعب، وبناء عليه قالت أخصائية التغذية، ألكسندرا مورسيي، إنه "مع قدوم موجة الحر، ترتفع درجة حرارة أجسامنا. لذلك، يُجبر الجسم على إفراز الطاقة للحفاظ على توازنه؛ ما يتسبب في الإحساس بالتعب وآلام في الرأس، كما أن الأمر يصل في بعض الأحيان إلى الشعور بالغثيان".
2- تراجع القدرة على ممارسة الرياضة
أكدت ألكسندرا مورسيي أنه "مع بلوغ درجات الحرارة عتبة الـ30 درجة فوق الصفر، ترتخي عضلاتنا ويتفاقم ذلك كلما ارتفعت أكثر، لذلك يشعر الإنسان بعدم القدرة على ممارسة الرياضة، خاصة إذا كان من بين الأشخاص الذين لا يشربون كمية كافية من الماء".
3- فقدان الشهية عن الأكل
بحسب أخصائي الطب العام إيكزافيي بالونيي، فإن "فقدان الشهية مع موجة الحر، لا يعود فحسب إلى تراجع الإحساس بالجوع؛ بل يعني أيضاً أن الجسد لم يعد في حاجة لسعرات حرارية كثيرة في ظل حرارة الجو المرتفعة، لذلك تقل لدينا الرغبة في تناول الطعام".
4- سرعة الغضب
يمكن أن تُفقدنا درجات الحرارة المرتفعة القدرة على التحكم في الغضب. وللتوضيح أكثر، ذكر الطبيب ريمي ميفسو أنه "خلال الجو الحار، نتعرق كثيراً، ونحس بأننا في ضيق وغير مرتاحين؛ ما يتسبب في فقدان السيطرة على أعصابنا، والذي سيجعل بدوره من الإنسان مخلوقاً سريع الغضب".
اضافةتعليق
التعليقات