الأطفال هم ثمرة الحياة الزوجية العامرة بالعاطفة الحانية وهم عمارة البيت المبني على أساس المودة والرحمة، وهؤلاء في حاجة ماسة للإشباع العاطفي من أجل تحقيق توازنهم النفسي وبالتالي استقامة سلوكهم وسط المجتمع، ولا يكفي الطفل إشباع حاجاته المادية بل إن الإشباع العاطفي يعد ركيزة أساسية في حياته.
وإن الإشباع العاطفي هو تلبية حاجة لدى الإنسان خصوصا في المراحل الأولى من العمر، كما أن إشباع الطفل عاطفيا يجعل منه إنسانا سويا مطمئنا هادئا مستقرا مرتاحا، يحس بالأمن، والعيب أن الناس يحبون أبناءهم لكنهم لا يدركون كيف يعبرون عن هذا الحب بشكل سليم. حيث إن فقدان الطفل للعاطفة في البيت أو نقصها، تجعله يتعلق بكل من يمنحه هذا الدفء، وهنا مكمن الخطر؛ فهو يتلقى عنه أسلوب حياته (وربما معتقده) ومفاهيمه وطريقة تذوقه وحديثه، وكذلك لغته ودينه وخاصة ممن يأنس منه القرب.
والحب المفقود الذي هو بحاجة إليه؛ وهذا الحب وتلك العاطفة التي لها خصوصية معينة، وطبيعة متفردة لا يجدها الطفل إلا عند أبويه ولا سيما الأم، الأم، الأم الذي إذا ضمته، وقبلته، وابتسمت له، ورعته بقلبها وروحها وكل ما تدخره في كينونتها الواهبة المتوهجة؛ انتعشت نفسه واطمأن قلبه؛ ولذا نجد الأطفال والفتيان الذين ترعاهم أمهاتهم وتربيهم وتمنحهم من وقتها القسط الأكبر- هم المتزنون المطمئنون المنسجمون مع محيطهم.
وكشفت الدراسات النفسية الأخيرة عن أن احتضان الوالدين لأبنائهما واللمس على أكتافهم يزيد من ذكائهم ونموهم الطبيعي؛ إذ إنه يساعد على إفراز مادة الاندورفين في الجسم والذي هو موصل عصبي ويساعد على تخفيف العصبية والقلق النفسي والإحساس بالألم.
ولكن للأسف، فإن الاحتضان في مجتمعنا يكون فقط عند السفر أو في الأعياد والمناسبات الرسمية، فبعض الأهل يعتقدون أنه من العيب احتضان أطفالهم، وهذا خطأ يقعون فيه ولا يعلمون أنه علاج لكثير من المشاكل. فالجفاف العاطفي في حياة أولادنا أكثر من الفراغ العاطفي فهم يعانون من فجوة عاطفية بينهم وبين الأهل، فلا يجد الفتى والفتاة الملاذ الآمن، فيبحثون عن المعوضات التي تسد لهم هذه الحاجة، فنلاحظ ميل بعض الأبناء لتعويض ما فقدوه مثلاً عند العم، الخال، الجد، الجدة بسبب الفراغ العاطفي، وأيضا تتعلق بعض الفتيات برجال كبار في السن ربما يكون من أسبابه افتقادهن للحنان الأبوي وعثورهن عليه خارج البيت فتضطر الفتاة لأن تبتكر وسائل غير مشروعة للبحث عن الحب والحنان فتترتب على ذلك أفعال تحقق ذاتها وتعوض الفشل العاطفي في حياتها الأسرية.
ومن خلال الدراسات والبحوث الجنائية، اتضح أن أهم عوامل الجنوح إلى الجريمة هو نقص التغذية العاطفية، وتبين أيضا أن رغبة بعض الطلبة من الشباب والفتيات الى الدروس الخصوصية ليس لعدم الاستيعاب في غرفة الصف دائما إنما لعوامل غير مباشرة منها الظمأ العاطفي الذي يعبر عنه بأشكال مختلفة.
رعاية الكنغر
يفد الرضيع برفق إلى هذه الحياة محمولا على أذرع أمينة تغمره بالحب وتشعره بالأمان، وتتيح له سماع الأصوات ورؤية العالم من حوله دون قلق. يشير موقع “مايند شامبس” إلى أن وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة في العديد من المستشفيات تشجع الآباء على حمل أطفالهم المبتسرين فيما يشبه “رعاية الكنغر”، لأنه يؤدي إلى تحسن علاماتهم الحيوية، أي زيادة أوزانهم والحد من مضاعفات التنفس.
وتوضح هدى حمدان مستشارة أسرية وعضو الجمعية الأمريكية لعلم النفس – في لقاء خاص لموقع الجزيرة مباشر – أن اللمس الحاني وعناق الأبناء مفيد لكل من الآباء والأبناء، ويعمل على التخفيف من الضغوط النفسية، والآلام الجسدية ونوبات الاكتئاب، ويساعد في انخفاض ضغط الدم وانتظام معدل ضربات القلب، ويحفز جهاز المناعة، ويخفض مستويات هرمون الإجهاد، ويحسن النوم عند الأطفال والبالغين، ويزيد معدل النمو البدني الفعلي للأطفال، كما يعزز السلوكيات الإيجابية.
اليتم الحقيقي
يعاني الأطفال المحرومون من عناق آبائهم وأمهاتهم من مشاعر أقرب لمشاعر اليتم، فاليتم لا يقتصر على الحرمان من الوالدين، بل يسري أيضا على الحرمان من اللمس والعناق، وفقا لهدى حمدان.
وأضافت أن دراسة علمية أجراها مركز أبحاث الدماغ وعلم النفس في جامعة كولومبيا البريطانية، قد رصدت تأخر النمو والتطور المعرفي الواضح لدى الأطفال الذين تعرضوا لظروف قاسية، لاسيما الأطفال اليتامى في مؤسسات أوربا الشرقية في أوائل القرن العشرين.
كما وجدت دراسة سويدية أن العناق أو ملامسة الجلد هو أحد أهم المحفزات اللازمة لنمو دماغ سليم وجسم صحي، كما أن كثيرا من الأطفال الذين يعانون من القلق، قد يكون آباؤهم قريبين منهم من الناحية الجسدية، لكنهم “غائبون” فعليا.
وهناك بعض النصائح المهمة للأهل في احتياج الطفل من الرصيد العاطفي؛ منها:
1_ تقبيل الطفل واحتضانه: فعلى الأهل أن يمنحوه العاطفة والشعور بالأمان، فقبلات الوالدين لأولادهما هو عبارة عن شحن عاطفي لا يستغنون عنه كما لا يستغنون عن الطعام والشراب، فكثير من الآباء يكشف عن قسوة في قلبه فهو لم يعتد في صغره على التقبيل والحنان من أهله فيستمر على ذلك ويفعل الشيء نفسه مع أولاده، وهذه من الأخطاء التي نقع فيها مع أولادنا.
2_ إسماع الطفل كلمات الحب والود: كلمات اللطف والحنان من الأبوين والعاطفة الرقيقة والدفء الغامر تعد بمثابة القوة المنشطة والحبوب المهدئة للأولاد للابتعاد عن الغضب والشعور بالراحة النفسية.
3_ احتضان الخطأ الذي يقع فيه أبناؤنا ومعالجته برفق وتقدير مشاعرهم والانتباه إلى ما يجرحهم من كلمات أو أفعال وإشعارهم أن البيت هو الملجأ، وأن صدر الأم لا يعوض وكتف الأب لا يستبدل، فهذا وقاية من الانهيار النفسي الذي يتعرض له شبابنا والفراغ العاطفي.
4_ ملاعبة أطفالنا: تمدهم بمخزون عاطفي هو أحوج ما يكون إليهم، فعندما يكون لك طفل حاول تقمص شخصيته في تعاملك معه وتحدث معه كطفل والعب معه كما يلعب الأطفال وانزل إلى مستواه، فهو بحاجة إلى أن يعيش الاندماج مع والديه، مما ينمي شخصيته الطفولية ويمنحه شحنات عاطفية يحتاج إليها.
وهناك مجموعة من الطرق التي تسد الإشباع العاطفي عند الأطفال؛ منها:
1 – الإهتمام بالتربية المتوازنة للأطفال بحيث لا يشعرون بالحرمان ولا بالدلال الزائد.
2 – الإبتعاد عن القهر والظلم وخاصة من الأمهات المتسلطات والآباء العنيفين الذي يعبرون عن قسوتهم بدلا من إظهار الحب والتقبيل والاحتضان لأبنائهم.
3 – الديمقراطية في التربية لبناء شخصية قوية قادرة على المواجهة في كل الأمور والتعبير عن مشاعر الحب والعاطفة تجاه الأولاد، مما يؤدي إلى خلق شخصية متزنة لا ينقصها شيء.
وأخيراً الحضن الدافئ هو أرخص دواء لعلاج القلق والتوتر لأبنائنا ويساعد على النمو السليم المتكامل ويزيد من ذكاء الأطفال والإهمال والكبت العاطفي الذي يسبب لهم الأزمات النفسية والاكتئاب لذا اظهر حبك لابنك ، وكوّن له الرصيد العاطفي الذي يبحث عنه، فهو يتألم ويأمل، ويؤثر ويتأثر، ويريدك أن تضمّه وتمسح دمعته، وتلازمه في سراءه وضراءه، فإذا لم يجد ذلك الحنان الأبوي فسيبحث عنه عند غيرك وحينها يقع في مالا تتمناه وتخشاه من الفواحش والآثام، وفي سؤال لشباب ضيّعوا دينهم وأسرهم عن أسباب غيّهم وفسادهم ودخولهم في الفواحش والمخدرات والآثام قال أكثرهم من أهم الأسباب غياب آباءنا وأمهاتنا عنا واجتماعاتهم واهتمامهم بشؤونهم ومصالحهم حتى أوقعونا في ما نحن فيه .
اضافةتعليق
التعليقات