الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي ينشأ فيها الطفل ويفتح عينيه في أحضانها حتى يكبر ويستطيع الإعتماد على نفسه، بعدها يلتحق بالمدرسة الرافد الثاني للتربية. وفي المقابل والمعروف طبيا وتربويا. أن شخصية الطفل تتكون خلال الخمس السنوات الأولى، لذا كان من الضروري أن تُلم الأسرة بالأساليب التربوية الصحية التي تنمي شخصية الطفل وتجعل منه شابا واثقا من نفسه صاحب شخصية متميزة ومتكيفة وفاعلة في المجتمع.
اهتم علماء النفس التنموي بكيفية تأثير الآباء على نمو الطفل. ومع ذلك، يصعب كثيرا العثور على السبب والنتيجة الفعلية بين الإجراءات المحددة للوالدين والسلوك اللاحق للأطفال. ويمكن لبعض الأطفال الذين نشأوا في بيئات مختلفة بشكل كبير أن يكبروا فيما بعد ليصبح لديهم شخصيات متشابهة بشكل ملحوظ. وعلى العكس من ذلك، يمكن للأطفال الذين يتشاركون في المنزل ونشأوا في نفس البيئة أن يكبروا ليصبح لديهم شخصيات مختلفة تماما.
ورغم هذه التحديات، افترض الباحثون أن هناك روابط بين أنماط الأبوة والأمومة وبين تأثير هذه الأساليب على السلوكيات الحالية والمستقبلية للأطفال. وتعرف أنماط التربية (بالإنجليزية: Parenting styles) هي بنية نفسية تمثل الاستراتيجيات القياسية التي يستخدمها الآباء في تربية أطفالهم. وفي ستينيات القرن الماضي قامت العالمة التربوية دايان بومريند بتصنيف أنماط التربية إلى أربعة أصناف رئيسية سنتعرف عليها بالتفصيل فيما يلي.
- التربية السلطوية
يتميز هذا النوع من الأساليب التربوية بإعطاء السلطة المطلقة للأهل. يتميز الأهل الذين يتبعون هذا النوع من التربية مع أطفالهم بما يلي:
-استخدام الحزم في تربية الأطفال، مع إعطاء مساحة ضئيلة جداً للحوار والتفاوض.
-كثرة استخدام العقاب بمختلف أنواعه.
-عادة ما يكون الأهل الذين يتبعون هذا النمط التربوي أقل حنية وعطف على أطفالهم.
-توقع الكثير من الإنجازات من الأطفال، مع انعدام المرونة.
-انعدام الثقة بالأطفال لتحقيق أي شيء إيجابي.
تأثير هذا النمط التربوي على الأطفال
-يقوم الأطفال الذين تلقوا مثل هذه التربية بربط النجاح والطاعة بالحب. مما يؤثر على علاقاتهم بالآخرين في المستقبل.
-بعض الأطفال الذي تربو على مثل هذا النمط يبدون سلوكاً عدائياً خارج البيت، حتى أنهم قد يصبحوا متنمرين.
-يبدي هؤلاء الأطفال الخجل والخوف عندما يكونوا مع الآخرين.
- يتمتع الأطفال الذين تربوا على هذا النمط بثقة قليلة في النفس.
- كما أنهم يواجهون الصعوبات في حياتهم الاجتماعية بسبب انعدام المهارات الاجتماعية.
- يميل هؤلاء الأطفال إلى الطاعة والانصياع بسهولة، مما يسبب بإصابتهم بالقلق والاكتئاب.
- بالإضافة إلى أنهم يعانون من صعوبة في التحكم بأنفسهم، بسبب عدم منحهم السلطة والتحكم في الكثير من الحالات وهم صغار.
بينما يؤكد الخبراء في تربية الأطفال على ضرورة الحزم، ووجود الحدود والقواعد واحترامها. إلا أنهم خلصوا إلى أن هذا النمط من التربية له آثار سلبية كثيرة على تنشئة الأطفال وصحتهم النفسية، ونموهم العاطفي السليم.
التربية المتساهلة
التساهل في تربية الأطفال هو السماح لهم بفعل ما يحلو لهم، مع تقديم حد أدنى من التوجيه. يتميز الأهل الذين يتخذون هذا النهج التربوي في تنشئة أطفالهم بأنهم أقرب إلى الأصدقاء لأطفالهم منه للأهل. يتميز الأهل الذين يطبقون هذا النمط التربوي بما يلي:
- تكاد تكون القوانين والأنظمة معدومة لديهم، وهم لا يقومون بتعديل سلوك أطفالهم، أو تقويمهم. ويميلون لترك أطفالهم ليحلوا مشاكلهم بأنفسهم.
- وجود قوانين وأنظمة لا يلتزم الأهل والأطفال بها لفترة طويلة.
- هناك درجة عالية من الحوار والتواصل بين هؤلاء الأهل وأطفالهم، ولكنهم يتركون القرارات للأطفال ولا يعطونهم أي توجيهات.
- يتميز هؤلاء الأهل بدرجة عالية من العطف والحنان على أطفالهم.
- التوقعات لدى الأهل المطبقين لهذا النهج التربوي قليلة وتكاد تكون معدومة.
- لا يطبق هؤلاء الأهل أي عقاب على أطفالهم، وقليلاً ما يكون هناك عواقب إذا ما أساء أطفالهم التصرف.
تأثير التربية المتساهلة على الأطفال
- عادة ما يكون مستوى أداء وإنجاز الأطفال الذين تربوا بهذا الأسلوب متدني في مختلف المجالات. وذلك لأن مستوى توقعات الأهل من أطفالهم يكون متدني جداً.
- كما أنهم يتخذون قرارات سيئة في أغلب الأحيان. وذلك بسبب عدم وجود قوانين وأنظمة يتبعونها، يفتقر الأطفال لمهارات اتخاذ القرار وحل المشكلات.
- في الكثير من الأحيان يكون الأطفال الذين تربوا بهذا النهج عنيفين تجاه غيرهم، ويفتقرون للتعاطف، وذلك بسبب عدم تعاملهم مع عواطفهم بشكل فعال أثناء نشأتهم.
- بالإضافة إلى أنه في أغلب الأحيان يعاني هؤلاء الأطفال من عدم القدرة على إدارة الوقت والتحكم بالعادات، مما يجعلهم أكثر عرضة لاتباع السلوك السيء الذي قد يصل إلى درجة الإدمان على الكحول والمخدرات.
بينما قد يبدو هؤلاء الأطفال على أنهم سعداء ويعيشون حياة مثالية يقومون بها بما يحلو لهم، إلا أنه تبين أنهم أكثر الأطفال عرضة للفشل الأكاديمي والعملي، والاجتماعي بسبب انعدام الانضباط والقوانين وعدم وجود عواقب للسلوك السيء.
التربية المبتعدة
من أهم صفات هذا الأسلوب التربوي:
- لا يوجد نهج واضح لتهذيب الأطفال من قبل الأهل. حيث يميل الأهل إلى عدم الاكتراث والابتعاد عن أطفالهم.
- هناك القليل من الحوار بين الأهل والأطفال.
- عادة ما تكون العواطف والحنية محدودة جداً لدى الأهل المبتعدين عن تربية أطفالهم.
- كما أنه لا يوجد لديهم أي توقعات نحو أطفالهم، وإنجازاتهم على مختلف الأصعدة.
تأثير التربية المبتعدة على الأطفال
- يكون الأطفال الذين تربوا وأهلهم مبتعدين عنهم مضطرين للاعتماد على أنفسهم بكل شيء.
- ينمو لدى هؤلاء الأطفال شعوراً بالخوف من الاعتماد على غيرهم.
- كثيراً ما يكون الأطفال مبتعدين عاطفياً عمن حولهم، بسبب عدم تلقيهم ما يكفي من الحب والعطف من قبل أهلهم.
- يعاني هؤلاء الأطفال أيضاً من درجات مرتفعة من القلق والتوتر والتي قد تصل إلى حد الاكتئاب أيضاً.
- يميل الأطفال الذين تربوا مع أهل مبتعدين عنهم إلى إظهار سلوك سيء في مرحلة المراهقة، والذي قد يصل إلى حد تعاطي الكحول والمخدرات.
عادة ما يكون أداء الأطفال في مثل هذا النموذج التربوي ضعيفاً في شتى المجالات الأكاديمية والعملية والعاطفية. كما أنهم يعانون من تشكيل روابط إنسانية طويلة المدى مع الآخرين، لذلك فمثل هؤلاء الأطفال يمرون بحالات طلاق عندما يكبرون أكثر من غيرهم بكثير.
عادة ما يكون ابتعاد الأهل عن تربية أطفالهم سببه الانشغال بمسؤولياتهم الحياتية الأخرى، أو الخوف من خوض هذا المجال بسبب عدم استعدادهم ليكونوا أهل ومسؤولين عن حياة أطفالهم، وتربيتهم وتعديل سلوكهم. أو قد يكونوا هم أنفسهم قد تربوا بهذا الشكل وهم صغار فلا يدركون وجود أي أسلوب تربوي آخر.
التربية المعتدلة
يتميز الأهل الذين يتبعون مثل هذا النوع من التربية بأنهم عطوفين، ولديهم توقعات عالية لأطفالهم. عادة ما يكون أطفال هؤلاء الأهل مهذبين، ويفكرون بعقلية مستقلة. يؤكد الخبراء أن هذا الأسلوب التربوي هو الأفضل بين الأنماط التربوية المعروفة. أبرز ما يميز هذا النمط في تربية الأطفال:
- وجود قواعد سلوك واضحة، يتم شرح سبب وضعها من قبل الأهل للأطفال بالتفصيل.
- التواصل بين الأهل والأطفال مفتوح ومناسب لمستوى فهم الطفل.
- وجود كم كبير من العطف والحنان من قبل الأهل تجاه أطفالهم.
- وجود توقعات وأهداف واضحة وعالية المستوى من قبل الأهل، والأطفال على حد سواء.
- تشجيع الأطفال على التعبير، والاستقلالية في اتخاذ القرارات مع وجود توجيهات واضحة من الأهل.
- وجود خطوات تهذيبية واضحة وصارمة عندما يسيء الأطفال التصرف.
تأثير هذا النمط التربوي على الأطفال
- عادة ما يكون أطفال العائلات التي تتبع هذا النهج التربوي أكثر سعادة، واستقرار.
- يتمتع هؤلاء الأطفال بأداء وإنجاز عال المستوى في مختلف المجالات.
- يكون هؤلاء الأطفال أكثر ثقة بأنفسهم، ويتمتعون بمهارات اجتماعية وعواطف صحية وناضجة.
قد يكون نمطك التربوي مزيجاً من أحد هذه الأنماط، أو قد تتبعين نمطاً معيناً. احرصي على اختيار نمط تربوي يعود بفائدة كبيرة على أطفالك، ويضمن لك نتائج إيجابية بعيدة المدى. واعلمي أنه لا ضرر من تغيير نهجك التربوي إذا وجدت أنه غير مجدي أو أن له تأثيرات سلبية على أطفالك وعلى علاقتك بهم.
اضافةتعليق
التعليقات