ليلة طويلة مرت علي وكانت من اطول الليالي وكأن لاصبح لـها، اشعلت الشموع كأني شخص ضلَّ الحياة، وهذه اللحظة فقط انتظر من سينتشلني من ضجيج افكاري، انتظر فقط اشارة لتجعلني ارمي بنفسي بين يدي النور، صمتُّ مصغيا لهمس ذاتي المشتت بين انا او البقاء كما انا، فتحت الكتاب المقدس بدأت بالتلاوة دخلت في لب النفس، فقط انتظر اشارة تقول انك علـى صواب، رفعت رأسي نظرت للشموع، هل ستقع كما في الافلام وكلي أمل بأي اشارة من الله يخبرني انني على صواب في هذا الطريق يخبرني بوجوده حولي.
فتحت النوافذ لعل هناك ريح تهب لتنتشلني من وساوس رأسي، للحظة امتلكتني خيبة الامل وكأن الشيطان بسط ذراعيه وتنهد طويلا ليظهر بلونه الرمادي في مخيلتي يخبرني بأنني اضيّع وقتي هباءا وليس هناك شيء يدعى بالاله، وفعلا تملكتني خيبة الامل فلا اشارات تجعلني اسير في هذا الطريق وكأنني مجنون اكلم نفسي، ما الذي افعله، لكن صوت داخلي قادني نحو الكتاب المقدس يقول لي؛ اقرأ لاتيأس، جلست مرة اخرى وقلت في نفسي ياالهي اشارة بسيطة لأعتنق الاسلام، اشارة من اله جبار لعبد محتار ثم نظرت للكتاب لأكمل الايات فقرأت: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(سورة البقرة) (186).
سبحان الله تأملت في الآية لأجد نفسي وكأن الله احبني ليجيبني بنفسه، ثم هبت ريح فقلبت اوراق القرآن الكريم لأقرأ ردا يكفي لأطهّر نفسي من كل فعل واعود لطريق النور: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَى يُؤْفَكُونَ} العنكبوت. فتأملت هيئة هذا العالم ببصري ووجدته كالبيت المبني المعد فيه ما يحتاج إليه ساكنه، من آلة وعتاد، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض ممدودة كالبساط، والنجوم مجموعة والجواهر مخزونة كالذخائر، وأنواع النبات مهيئة للمطاعم والملابس والمشارب، والإنسان كالملك للبيت المخول فيه، وفي هذا كله دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتدبير وتقدير ونظام، وأن له صانعاً حكيماً تام القدرة بالغ الحكمة".
ثم من فوري هرعت نحو المسجد القريب الذي طالما رأيت الحمام حوله يتكاثر وكأنه يعلم انه الملاذ الآمن وبيت الله الذي لايجرؤ احد ان يؤذي اي من مخلوقاته بجانبه وصوت الاذان الذي طالما اعتلاه واثار فضولي وكون الاسئلة المبهمة في مخيلتي الآن، وجدت حلول الاسئلة، تخطيت عتبة المسجد، نسيم يدخل رئتَي، اقتربت نحو الشيخ وقلت له: ياشيخ انا عبد ضال ماكنت افقه شيئا من الحياة وفي لحظة انتشلني الله من بين الضلال ليخرجني للنور فأود شكره على فضله بأنقاذي، كيف؟
نظر لي بنظرة رحبة وابتسامة تريح النفس ثم قال: قم وصل لله على ما انعمك من فضله .
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) الروم/ 46 .
ومن هنا انتشلني الله من الغربة والوحشة والانقطاع، كنت غريبا في ظلمة الالحاد، ووحيدا، ثم بلا شعور خلعت سرابيل الشكوك لأبصر نور الله في الآفاق ولأمسك مفاتيح ابواب الهدى واغلق ابواب الضلال، وسلكت سبيلي الى المعبود لأستمسك بأوثق العرى وامتن الحبال.
هذه الدنيا كل من فيها الى انتهاء وكل حي فيها الى فناء، ألم ترون الى الماضين منكم لايرجعون…؟
في حين دخل الناس في رحاب الاسلام ليبصروا نور الهدى ويخرجوا من ضلالهم..
لكن ولشديد الأسف بدأنا اليوم نبصر ظاهرة الالحاد وكذلكَ المُجاهرة به، والذي كانت نشأته بعدَ منتصفِ القرن التاسعَ عشر، حينما بدأ العالمُ الإسلاميُّ والعربيُّ، يتّصلُ بالعالم الغربيِّ، عن طريقِ إرسالياتِ الدراسةِ، أو التدريبِ، وتسبّبَ ذلكَ في رجوع مجموعةٍ من الطلاّبِ متأثّرينَ بالفكر الأوربيِّ والذي كانَ يقومُ على أساس تعظيم علوم الطبيعةِ، ورفع شأن العقل، وكذلكَ تنحية الدين والشرع، عن حكمِ الحياةِ والناسِ وإدارةِ شؤونهم.
وفي بدايةِ الأمرِ لم يكن ثمَّة دعوةٌ صريحةٌ للإلحادِ أو الرّدةِ، وإنّما كانتْ هناكَ دعواتٌ للتحرّر وتجميل الأمر في عيونهم، أو التغريبِ، أو فتح المجال أمامَ العقل للتفكير في الردة، ومحاولةِ إنشاءِ خلافٍ وهميٍّ، وصراع مُفتعل، بينَ العقل والشرع، ومع مرورِ الوقتِ، وزيادةِ الاتصالِ بالغربِ وتراثهِ، وانتشار موجةِ التغريبِ بينَ الناس، ظهرتْ بعضُ الدعواتِ الصريحةِ للإلحادِ وفتحِ بابِ الرّدةِ، باسمِ الحريّةِ الفرديةِ.
إنّ الكفر كلمة تملأ الفم فقط وتجري على اللسان دون أن يكون لها نصيبا من الواقع، فإنكار الله سبحانه وتعالى وإنكار البعث والجنة والنار كل ذلك ليس إلا كلاماً وقذفاً يملأ أفواه قائليه ويجري على ألسنتهم دون أن يكون له من الواقع نصيب، ولا يملك أهل الكفر لإثباته إلا الجهل، والجهل ليس اثبات.
اضافةتعليق
التعليقات