تداهمنا الأمواج وتغمرنا حتى آخر نقطة من أجسادنا المتهالكة واحيانا نفر منها بعيدا حتى نظن أن الابواب أوشكت على الاقتلاع من اماكنها وحين الوصول اليها توصد على ايدينا وتذقنا عذاب اشد من غمرة الماء التي تشبه البحر المتلاطم، فيه المد والجزر دموع تداهم المواجع فتصبح سيلا من الذكريات..
وتطول حلقة الآلام مالانهاية ونحن في قعر عقولنا نضم ارجلنا دون فكر ولاجدال فقط نسير لنجد القمة توصلنا لاخر النهار ثم نوم ثم هكذا تسير الأيام ولكن ما الجديد الذي يستحق الذكر فالليل باتت نجومه بلا بريق والنهار اصبحنا نهرب من شمسه، هذه هي ملخص الحياة لدى الاغلبية.. لكن ان تكلمنا عن الحقيقة هم يحملون شعار المظلومين متناسين اننا من نصنع الطواغيت ونركع تحت ايديهم ليرضوا عنا دون جدال او نأخذ المقابل لرفعهم وبعدها نشتكيهم لله متناسين انه عز وجل ذكر في محكم كتابه ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.. فإن امره نافذ لكنه عز وجل يغير ما بالناس إذا غيروا، فإذا كانوا على طاعة واستقامة ثم غيروا إلى المعاصي، غيرَّ الله حالهم من الطمأنينة والسعادة واليسر والرخاء إلى غير ذلك.
وقد يملي لهم سبحانه ويتركهم على حالهم استدراجًا، ثم يأخذهم على غرة -ولا حول ولا قوة إلا بالله-..
أما مانفعله نحن بكل بساطة هو أننا ننسب الخير لأنفسنا وما يأتينا من سوء نقول هذا من عند الله وحاشاه ان يكون بظلام للعباد فهو رحمان رحيم، فالظلم هو محض كلمة تحدث وقع في جوف سامعيها وحروف كونت من سم قاتل يسري في الاجساد فيحول اصحابها أما اناس تملئهم الثقة بأنفسهم او ضعفاء لايفقهون سوى جانب الحائط ليستندون عليه وكل ظنهم ان الحياة مجرد ممر مستقيم فيه بعض المطبات ولكنها الحقيقة متاهة مملوءة بالممرات ونحن من يجب علينا البحث فيها عن بصيص النور الذي يرشدنا للسعادة وربما قد نتخبط بين جدرانها أو تضل ارجلنا الطريق تارة ولكن حتما إن اردنا النور في النهاية سنجده ولكن هذا الطريق يحتاج ايمان بأنفسنا، ان الله حتما سيفتح باب لنا ربما قد يكون غير امانينا لكنه مؤكد سيكون هو الافضل لنا فالرحمن لايقدم سوى الأفضل ما دمنا واثقين به وعلى استقامة.
الله سبحانه هو مدبر الأمور، وهو مصرف العباد كما يشاء، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة، وهو سبحانه قد شرح لعباده الأسباب التي تقربهم منه، وتسبب رحمته وإحسانه إليهم، ونهاهم عن الأسباب التي تسبب غضبه عليهم وبعدهم منه، وحلول العقوبات بهم، وهم مع ذلك لا يخرجون عن قدره؛ بفعل الأسباب التي شرعها لهم، والتي نهاهم عنها.
فالله أعطاهم عقولًا، وأعطاهم أدواتا، وأعطاهم أسبابًا يستطيعون بها أن يتحكموا فيما يريدون؛ من جلب خير أو دفع شر، وهم بهذا لا يخرجون عن مشيئته كما قال تعالى: "لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ، وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" [التكوير:28-29]، وبكل بساطة اليوم نحتاج ثورة العقول قبل السلاح وتفتيح الاذهان قبل الأبواب، علينا التفكر بما نحن عليه واسبابه ومايجب فعله وكفانا سيرا وراء اشخاص لم نذق منهم سوى مر العيش وضيق النفس..
والخلاصة: إن كل شخص فينا له اسباب واعمال، والله قد قدم لكل منا ادوات لنعرف بها الضار والنافع والخير والشر، فاذا استعملنا عقولنا بأسباب الخير جازانا الله اضعافا وانعم علينا وأدر علينا رحمته بعدما كنا في سوء، فإن من اناب امره لله واستقام، عزوجل بجوده وكرمه يغير حاله من السيئة للحسنة والعكس من هذا من يتبع الهوى وخطى الشيطان ويجلس معتمدا او ضعفا او لامبالاةً قائلا نفسي نفسي، فينبغي عليه الحذر ولايغتر بما انعم الله عليه.
وقد دعا القرآن الى اطلاق العقول من أسرها ودفعها للتأمل في ملكوت كل شيء واستعماله في مختلف شؤون الحياة وأن لايحجر عليه بالتعصب والخوف والتقليد الاعمى والاساطير، فبإستخدام العقل يفرق الانسان بين الصالح والفاسد وبين الحق والباطل وبتعطيله يفقد هذا التمييز ويتخبط بين عتبات الوهم وينتهي به الأجل للركود على جهل، فإن كل فترات القوة في تاريخ الاسلام ولدت من اخلاص وارادة وصواب في التفكير والعمل فإن غاب احدهما فلا فائدة من كل الجهود التي تقدم والتضحيات التي تبذل..
كما قال (جوهان ولفجانج): كل الأفكار الحكيمة تم التفكير فيها آلاف المرات؛ ولكن لكي نجعلها أفكارنا نحن، علينا أن نفكر فيها مرة أخرى بصدق، حتى تتغلغل جذورها في أعماق تجاربنا..
اذن في النهاية سر السعادة هو العقل الذي يفكر بصواب وصدق..
اضافةتعليق
التعليقات